بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

البحث عن موضوع آخر - سمير عطا الله

الصباح وموعد البحث عن «موضوع» وكرب كثير، فلنبحث عن شيء خارج هذه الصورة البانورامية الكالحة والمخضّبة. لا شيء. استحالة. صفحة خلف صفحة، ولا شيء: حلب وكوباني وبغداد والأنبار وجوبر وسيناء. مدن تُهدّم. أناس يهربون. بشر لا مكان يهربون إليه فيلجأون إلى الكهوف مثل إنسان العصر الحجري. موت وقتل، وقتل وموت. قاتل يتقدم وقاتل يتراجع. مثل برلين في آخر أيام هتلر. الناس تُقصف من الجو والبر. والشبان يؤخذون إلى الجبهة مُرغمين أو يُشنقون بتهمة الخيانة. وأصوات المدافع في الليل والنهار دمرت شرايين الرجال والنساء والأطفال. ومجاعات. وجبهة جديدة كل يوم. والأوادم يُطردون من أحزابهم ومن بيوتهم ثم من أوطانهم. ولكن لا يأس. لا بد من العثور على موضوع غير محزن. موضوع واحد على الأقل. استراحة بين موضوعين. بين بلدين. بين عامين. بين صفحتين. مخيفة صحف هذا الصباح. من العنوان الأول إلى العنوان الأخير. «داعش» تترصد الجسور والسدود لكي تفجرها في وجه الناس. والجسور المعنوية والروحية والوطنية والقومية والإنسانية لم يبق منها شيء.
لم يبلغنا أحد بعد أننا نشبه الحرب العالمية، لكن قد نُبلَّغ ذلك غدا. منطقة متفجرة بأحقادها وعجزها. عالم يتقدم إلى الخلف بكل قواه وأناشيده الحماسية وخناجره. بلدان تتغير وجوهها وركوعها. جماهير تسير في العراء إلى لا مكان. أغنى وأوسع بلدان الأرض يضيق بأهله غير القادرين على الجلوس في حديقة واحدة؛ ليبيا.. العراق. ما هذه الصورة المشابهة للجحيم؟ وماذا بقي من سوريا؟ وإلى أين يهرب الباقون؟ فلم يعد من ملجأ يتسع.
وكم هو صغير همك. أن تعثر على موضوع لا يكون فيه أشلاء ولا أنفس محطمة ولا أجيال مضطهدة ولا خونة ولا مباعون ولا سفهاء ولا راقصون فوق صدور عواصمهم.
الحقيقة أنني لم أكن أتوقع من صحف هذا الصباح مفاجأة مريحة. لكنني لم أكن أظن أيضا أن المسألة عتم إلى هذه الدرجة. لا نور ولا أمل. مثل طاعون فلورنسا، ومثل أيام برلين الأخيرة، ومثل حرب إسبانيا الأهلية، ومثل المغول يُدفن الناس أحياء.. شعوب مهزومة بحياتها وآمالها ومصائرها. ودول تنهار على رؤوس مواطنيها. وقوافل من المشردين والمظلومين والضحايا. وأنت تبحث عن موضوع ليس فيه يأس ولا أحزان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق