بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

◘ حين يكثر تمرد المبتعثين - جاسر الجاسر

قرأت تجربتين لطالبين مبتعثين هما: عبدالعزيز النعيم وسليمان السويلم، الأول في بريطانيا والثاني في أميركا، تختزلان الدلالات العميقة للابتعاث وتأثيره. هاتان التجربتان ترصدان المنافع العلمية والاجتماعية للابتعاث وكيف تستحيل الغربة إلى معزز للقيم الأساسية تنعكس على المبتعث وأسرته وأطفاله.

في السابق كان الابتعاث أقرب إلى رحلات سياحية يتكدس السـعوديون في مناطق محددة فكأنهم لم يغادروا أرضهم فضلاً عن الهامش الواسع للتخصصات وغياب تصنيف الجامعات.
عبدالعزيز وسليمان من ثمار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بنية تأسيس جيل جديد يكون نواة لمستقبل مختلف، كما هي تجارب اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية.منذ بدء هذا المشروع الرائد وهو يتعرض لحملات تشكيك لم تكن، على رغم شراستها، مانعاً من تدفق الشباب من الجنسين للالتحاق بالبرنامج الذي قدم الأسبوع الماضي أكبر دفعة تزيد على 10 آلاف مبتعث ليرفع العدد إلى نحو 200 ألف بما يشبه حالة فريدة من الهجرة العلمية التي ستؤتي ثمارها حين تؤوب عودتهم.
جميع النصائح الضدية والتحذيرات السلبية جاءت من أناس لم يعايشوا التجربة أصلاً، وربما لم يسافروا أصلاً فكانت مصادمة للمنطق والنمو الاجتماعي. تعرض المبتعثون إلى حملات تشويه أحالتهم إلى زمر من الفاسدين بلغت في أقذر مستوياتها تهم التنصر وسفاح المحارم بينما يبرهن الواقع والمعلومات أن تجربة الابتعاث رسمت صورة رائقة وأصيلة عن المجتمع السعودي أخلاقياً وعلمياً.
لم تظهر تجارب التطوع إلا عبر المبتعثين كما أسسوها، منهجاً وعملاً، في سيول جده. لم تتفجر الطاقات الابتكارية للطلاب السعوديين إلا في الجامعات الخارجية حيث يحصدون الجوائز العلمية وسط منافسة شرسة من أهل البلد والجاليات الأخرى. بعض هؤلاء أصبحوا نجوماً دوليين، وكثر منهم تسعى معاهد ومراكز الأبحاث لاستقطابهم.
يركز سليمان على التواصل الإنساني وعلامات بناء الشخصية المستقلة واحترام القانون ويؤكد أن الغربة «مهما قرأت وكنت مطّلعاً، تجربة الغربة والابتعاد عن الوطن، لمن لم يجربها مسبقاً، تجربة إنســـانية مخــتلفة، ولن يستطيع الشخص تصورها حتى يعيشها فعلياً. وإذا استثمرت على وجه إيجابي، فقد تؤثر في الشخص - في قسوتها وحرارتها - تأثيراً ممتازاً وتشعل حسّه الديني، الوطني، أو حتى العاطفي. لذلك كن على استعداد لتعيش تغيير - قد يكون جذرياً - في العادات والسلوك». أما عبدالعزيز فيلتفت إلى دلالات العمل الاجتماعي والتواصل والتنظيم والتطوع واحترام القانون وحب القراءة.
هذه هي المكاسب المهمة من تجربة الابتعاث، وهي التي ستجعل بعض المبتعثين يعيش غربة مضادة حين يعود إلى أرضه، فلا يجد منها شيئاً كثيراً، لكن عددهم الكبير كفيل بإحداث تغيــيرات كـــبرى، وهو ما بـــدأ يظهر في تزايد الأنشطة الاجتماعية للشـــباب، وإن كانت بعيدة من أي تحفيز أو مساندة. تسعة أعوام لا تكاد أخطاؤها تذكر بدءاً من السلوكيات الاجتماعية وصولاً للتطرف ومخاطره، وتجربتا سليمان وعبدالعزيز هما الصوت الصادق للبرنامج الفريد والعظيم.
يوظف سليمان بعض المقولات في مقالته، ومنها ما قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «من أراد أن يكثر علمه فليجالس غير عشيرته». نعم هذا هو الانفتاح المطلوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق