بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 نوفمبر 2014

انها المعركة الحاسمة لمصير القدس… اين العرب؟

اندلعت امس الجمعة اشتباكات عنيفة في انحاء مختلفة من مدينة القدسالمحتلة والضفة الغربية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، على خلفية الاصرار الاسرائيلي على مواصلة الانتهاكات والاقتحامات غير المسبوقة للمسجد الاقصى منذ وقوعه في الاسر قبل سبعة واربعين عاما. واصبح واضحا ان حكومة الاحتلال اختارت التصعيد الامني انطلاقا من قناعة بأن المعركة ليست حول المسجد الاقصى فحسب، بل مصير القدس المحتلة نفسه، وان التوقيت صار ناضجا لاغلاق الملف الاصعب والاكثر حساسية، باجراءات احادية تستفيد من الاوضاع العربية المتردية.
وبالفعل قرر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق اهارونوفيتش الاستمرار في سياسة الاقتحامات، ودفع بتعزيزات واسعة الى البلدة القديمة رغم تحذيرات تلقاها من الشرطة مفادها «أن الأوضاع الخطيرة في القدس، مردها إلى اقتحامات المسجد الاقصى من قبل أعضاء كنيست وحوادث الاقتحام الأخرى، وان الإجراءات الأمنية، والدفع بتعزيزات أخرى لن يساهم في وقف المواجهات داخل القدس» كما قالت وسائل اعلام اسرائيلية.
ويؤكد هذا التوجه للاحتلال الحملة السياسية والاعلامية الموتورة التي تشنها اسرائيل ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما يعني عمليا انها قررت ان تدفن عملية السلام التي ماتت منذ زمن بعيد. ما يستلزم مراجعة استراتيجية فلسطينية وعربية لسبل مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، بدلا من التلويح بالذهاب الى مجلس الامن الذي هو طريق مسدود اصطدم العرب بنهايته مرات عديدة.
وبلا شك فان القدس لم تكن ابدا قضية فلسطينية فحسب، ولذا فان اي رد فعل حقيقي او مؤثر يجب ان يكون عربيا اسلاميا ودوليا ايضا.
وبالنظر الى الحروب الاهلية والاضطرابات التي تسود دولا عربية اساسية، يبدو الطريق وعرا الى بناء موقف ذي معنى في مواجهة البلطجة الاسرائيلية التي تسعى الى تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية. الا ان خصوصية المعركة تفرض مقاربة واجراءات استثنائية على المستويين العربي والفلسطيني، ومنها:
اولا: لم يكن الفلسطينيون احوج منهم اليوم الى وحدة وطنية حقيقية تتمثل في اعادة الاعتبار للثوابت الفلسطينية التي استشهد من أجلها الآلاف، ومنهم الزعيم ابو عمار الذي تصادف ذكرى استشهاده الثلاثاء المقبل. ولا يكون هذا على مستوى الخطاب السياسي فحسب، بل بالافعال قبل الاقوال، عبر حشد القوى الوطنية بمختلف توجهاتها السياسية والايديولوجية ضد العدو المحتل، بعيدا عن المعارك البينية او الجانبية او الصراعات الاقليمية. وقد سبق للرئيس عباس ان لوح باللجوء الى اوراق غير تقليدية في مواجهة التعنت الاسرائيلي، ولا يوجد وقت افضل من الآن، ولا هدف انبل من انقاذ الاقصى والقدس المحتلة.
ومن المؤسف ان تستهدف انفجارات منازل قادة فلسطينيين ومنصة الاحتفال بذكرى ابو عمار في غزة، في الوقت الذي كانت تتطلع الانظار الى زيارة رئيس حكومة الوفاق الوطني للقطاع تكريسا وتفعيلا للمصالحة.
ثانيا: جاء استدعاء السفير الاردني من تل ابيب للتشاور، انعكاسا دبلوماسيا في حده الادنى للغضب الشعبي والبرلماني من استمرار الانتهاكات الاسرائيلية ضد الاقصى. وبالرغم من الاتصال الهاتفي بين العاهل الاردني ونتنياهو، وتلويح الحكومة الاردنية بـ «اعادة قراءة اتفاقية وادي عربة» التي تمنحعمان الولاية القانونية على المقدسات الاسلامية، لم يتوقف عدوان الاحتلال، وهو ما يستلزم البحث في اجراءات عملية تصعيدية دون تأخير. ويستطيع الاردن وقف التنسيق الامني وتجميد التجارة مع اسرائيل، وهو ما سيؤثر على صادراتها الى دول عربية اخرى، كما سيؤثر سلبا على العلاقات السياسية بين تل ابيب والقاهرة. 
ثالثا : لن تستطيع مصر والسعودية، بشكل خاص الاكتفاء بالفرجة فيما يتصاعد العدوان الاسرائيلي على الاقصى والقدس المحتلة، اذا ارادتا ان تكرسا مكانتهما التقليدية في العالم العربي والاسلام السني. ولعل التقارب الامريكي الايراني الذي تكشف بعضه بتسريب انباء الرسالة التي وجهها اوباما للمرشد الاعلى في طهران، والتوقعات بالتوصل لتسوية نهائية للملف النووي قريبا، يكون حافزا لاتخاذ اجراءات عملية قادرة على بناء موقف عربي شبه متماسك ما سيوجه انذارا بتفكك التحالف الامريكي العربي ضد الارهاب. ومن الممكن ان تشمل الاجراءات سحب المبادرة العربية للسلام، وسحب السفير المصري وتجميد اتفاقات تجارية بين القاهرة وتل ابيب، ووقف مظاهر التطبيع المجانية التي اصبحت جزءا اساسيا في الاجتماعات الدولية، وآخرها افتتاح الدورة الجديدة للجمعية العامة في الامم المتحدة.
نعم قد لايملك العرب الكثير من الاوراق في ظل معطيات اقليمية ودولية بالغة الصعوبة، الا انهم يستطيعون، اذا كانوا يريدون حقا، على الأقل الا يمنحوا الشرعية للعدوان الاسرائيلي، وهو اضعف الايمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق