بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 نوفمبر 2014

◘ من هو الإرهابي ومن الذي صنعه؟ نصيف الجبوري

يصيح العالم اليوم بالويل والثبور وعظائم الامور ضد تنظيم «»داعش»» وأخواته، وانطلقت حملات عالمية على جميع الصعد للقضاء على ظاهرة الإرهاب العالمي الذي لا يهدد المنطقة فحسب، إنما يشكل خطرا على العالم أجمع. 
وتتزعم هذه الحملات الولايات المتحدة الأمريكية التي جمعت حولها تحالفا يفوق تحالف الحربين العالميتين، الأولى والثانية، ويفوق التحالف الذي شكلته عام 1990 الذي أدى إلى إخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1991، أو التحالف الدولي الذي أسقط النظام العراقي البائد عام 2003 في ما بعد. شرعت أمريكا وحلفاؤها بقصف جوي يومي لمواقع تنظيم «داعش» في مناطق متعددة في العراق وسوريا، إضافة إلى مشاركة حلفائها من الفرنسيين والبريطانيين والكنديين والأستراليين والإمارتيين والسعوديين وغيرهم. لم تكتف الإدارة الأمريكية بالعمليات العسكرية إنما وسعت ساحة الحرب لتشمل محاصرة موارد التنظيم وقصف الحقول النفطية التي يسيطر عليها، ومعاقبة الدول والشركات التي تشتري النفط منه. 
باتت أمريكا تستخدم هي الأخرى سياسة التكفير التي تنتهجها حكومة المنطقة الخضراء في بغداد ضد مخالفيها، فتهاجم كل من يتكلم أو ينتقد تصرفاتها، وتصفه بالـ»داعش»ي. علما بأن ثمن هذه الحملات والطلعات والأسلحة مدفوعة الأثمان بأضعاف مضاعفة من قبل الدول النفطيةفي المنطقة.
لقد انتشرت مفردة الإرهاب بشكل واسع بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وانطلقت حملة عالمية انذاك لمحاربة الإرهاب واسقاط الانظمة التي ترعاه. وكان أول الضحايا نظام طالبان في أفغانستان، ومن ثم النظام العراقي. وكانت أمريكا تهدف من تلك العمليات إلى إبعاد الهجمات الإرهابية عن القارة الأمريكية وحصرها في مناطق الشرق الأوسط بالخصوص. فما هي أبعاد هذا المخطط وهل صحيح أن الإدارة الأمريكية صادقة في دعواها بتجفيف منابع الارهاب ومن ثم القضاء عليه؟ 
في حقيقة الأمر ان الإرهاب مورس منذ فترات طويلة من قبل الدول الاستعمارية وكانت رائدة في هذا المضمار. فقد اختطفت فرنسا الطائرة التي كانت تقل ثوار جبهة التحرير الجزائرية. واستخدمت أمريكا الارهاب ضد الكثير من دول أمريكا اللاتينية، بالاغتيالات وتنظيم الانقلابات العسكرية ضد المناوئين لسياساتها، والامثلة كثيرة في تشيلي وفنزويلا وكوبا وبنما وغيرها. استخدمت أمريكا ايضا إرهاب الدولة بأحدث انواع التكنولوجيا، من خلال قتل الافراد وتدمير المنشآت بواسطة طائرات بدون طيار في العراق وافغانستان وباكستان واليمن الخ.. وقصفت ودمرت صواريخها الموجهة عن بعد ملاجئ للمواطنين كملجأ العامرية. 
إنها السياسة الإرهابية نفسها التي استخدمتها اسرائيل ضد الفلسطينيين، إضافة إلى التجسس من خلال الأقمار الصناعية على دول العالم اجمع بما فيها حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.
إذن الأمريكيون والغرب صنعوا الإرهاب واستخدموه لأسباب سياسية وجغروسياسية واقتصادية لتوسيع نفوذهم في أمريكا الجنوبية وآسيا وافريقيا. هذه الظاهرة الاجرامية اذن وليد غير شرعي للدول الاوروبية، بدأت تتغول ضد صانعيها وهذا ما حدث بالضبط مع تنظيم «القاعدة» الذي رعته ودربته ومولته وسلحته أمريكا في بداية الثمانينات ضد الاحتلال السوفييتي لافغانستان. لقد اعتقدت أمريكا ان الخيوط ستبقى بيدها، لكن اختلاف الرؤى بين الطرفين جعل تنظيم «القاعدة» يقرر الخروج عن طاعة الراعي الأمريكي، ما جعل الاخير ينقلب ضده. 
الاحتلال الأمريكي غير الشرعي للعراق عام 2003 أخرج الإرهاب من القمقم لاسباب مهمة تتعلق بطريقة تعاطي تلك الادارة مع الاحداث، منها على سبيل المثال دعوى أمريكا بان النظام العراقي له علاقات تعاون مع تنظيم «القاعدة» وثبت فيما بعد كذب هذا الادعاء. كما ان رغبة أمريكا لتحويل خريطة جغرافية الحرب الارهابية إلى اراضي المسلمين في الشرق الاوسط لاستبعاد حدوثها على أراضيها، فتح حدود العراق على مصراعيها لاجتذاب اغلب إرهابيي العالم.
تصنيع الارهاب برعاية اجهزة الاستخبارات السرية الأمريكية وتحويل ركائزه إلى البلد المحتل دشنت حقبة تاريخية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط، اتسمت فصولها بالقساوة والقتل والارهاب الاعمى الذي لم تنته حتى هذه اللحظة. واستخدمت أمريكا دولا عربية واسلامية ادوات محلية واقليمية لنقل الصراع المسلح إلى اراضيها. بدأ المحتل تقنين الارهاب، من خلال السماح بتأسيس المليشيات الطائفية في العراق لحماية العملية السياسية، التي مارست بدورها الارهاب المتمثل في التزوير والسرقة والخطف والاعتقال والتعذيب والقتل بدعم حكومي كامل، حتى اصبحت المليشيات بديلا عن الجيش. هذا الارهاب المحلي المدعوم من قبل الحكومة العراقية وحليفتها أمريكا صب جام غضبه المتعدد الوجوه على المكون الآخر الذي تظافرت عليه قوى عالمية عديدة، ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية فأوروبا والدول العربية وإيران. حتى أن قادة السنة المنضوين مع الحكومة فقدوا مصداقيتهم عندما باعوا مصالح اهلهم بثمن بخس. أما المتظاهرون والمعتصمون الذين سبق ان وضعوا حدا لانتشار الإرهاب في محافظاتهم فقد توسلوا وطالبوا الحكومة من خلال حراكهم الشعبي طيلة اكثر من عام بين 2011 و2012 لتحقيق مطالبهم المتواضعة والشرعية التي تتركز على اطلاق سراح المعتقلين الابرياء في السجون، خصوصا العنصر النسائي ووقف عمليات الاغتصاب والتعذيب والرشوة بحقهم. وكان رد الحكومة ان اطلقت يد المليشيات في القتل والتنكيل بالسجناء الابرياء جهارا نهارا. باختصار لقد كان الضمير العالمي في إجازة طويلة ولا يسمع نداءهم احد.
بذرة الإرهاب التي غرسها الجيش الأمريكي في العراق بدأ يستخدمها ضد المقاومة الوطنية وكانت ممارساته القاسية واللاخلاقية في استخدام اساليب التعذيب ما يندى له الجبين في معتقلات ابو غريب وبوكا وغيرها، ثم تطورت من خلال وضع القنابل اللاصقة في سيارات المواطنين لتفجيرها في اماكن مختارة لتأجيج الحرب الطائفية. لتأخذ في ما بعد طابعا محليا، كما سبق ان ذكرنا من خلال تسهيل ممارسة الارهاب من قبل المليشيات الحكومية على طول العراق وعرضه. ما سمح لـ»داعش» وغيره بملء الفراغ والايحاء للمظلومين من المكون السني بان ارهاب الدول ومليشياتها لا يوقفه الا ارهاب معاكس بالاتجاه، قد يحميهم بعد ان عانوا الامرين في حكومة المليشيات، فالمـــوت والارهاب بالنسبة لهم واحد. لقد كان ظلم الحكومة العراقية اشد واقسى بكثير من الاحتلال نفسه.. دخلت «داعش» الموصل وباتت تسيطر على مساحات شاسعة من العراق، ولكونها سليلة «القاعدة» كان ينبغي ان تتعلم من تجربتها السابقة بالعراق قبل عام 2006. عندما حولوا مقاومتهم ضد الأمريكان إلى المكون الشيعي، ما اعطى حجة ذهبية للطائفيين الشيعة الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر لاطلاق الحرب الاهلية. 
اليوم بعد تزايد جرائم «داعش» ضد المسيحيين واليزيديين والاكراد والشيعة وضد السنة المتعاونين مع الحكومة، حتى وصل الامر إلى مطالبة حلفائهم السنة او المتعاونين معهم بمبايعة ابو بكر البغدادي بالاكراه تحت طائلة القتل. رغم ان البيعة في عهد الاسلام الاول كانت طواعية ولم يسمح الخليفة لنفسه قتل او اجبار من لم يبايعه من الرعية، باستثناء من يحمل السلاح. لا نمتلك حتى هذه اللحظة الكثير من المعلومات حول استراتيجية عمل هذا التنظيم التي يبدو أنها تسير وفق سياسة انتحارية استفزازية تكفيرية لا تجلب غير المزيد من الدمار والموت والحصار ضد اهل السنة والجماعة في العراق قبل غيرهم، حتى يصل المرء إلى انطباع مؤكد بان التنظيم مخترق من قبل المخابرات الأمريكية ووصوله إلى الموصل مبرمج من قبلها من اجل تمرير صياغة مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي يتضمن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات. كما ان «تنظيم الدولة» يسير وفق مخطط يخدم اهداف المستعمرين، سواء في تسهيل عودتهم للسيطرة على موارد المنطقة او إشاعة الانانية والطائفية والمناطقية والحزبية لدى شعوبها. ووقف اي امل في محاولات التقدم والرقي والرفاه على المدى المنظور.
أما الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وبعض الدول الاوروبية فهي اخر بلدان يحق لها الحديث عن محاربة الارهاب او القضاء على الارهابيين، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وصانع الإرهاب لا يمكن ان يكون صانع الاصلاح ولا يمكن ان يكون في يوم من الايام الصديق والمنقذ الذي يريد الخير لمنطقة الشرق الاوسط او يكون المخلص لشعوبها، فالتاريخ القريب والبعيد والاحداث الدولية التي عايشناها والممارسات الظالمة تثبت عكس ذلك تماما.
٭ كاتب عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق