بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 15 نوفمبر 2014

تفكيك خطاب البغدادي: العرب «ولايات داعشية»

في خطابه الاخير قبل يومين الذي حمل عنوان «ولو كره الكافرون»، وبلهجة تراوحت بين التحدي والاحتفالية، اشار ابو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» الى مصر واليمن والسعودية وليبيا والجزائر باعتبار انها اصبحت «ولايات» في «دولة الخلافة المزعومة» التي كان اعلنها، وتعهد باستمرار «زحف المجاهدين حتى يصل روما».
وشمل الخطاب العديد من النقاط التي تستوجب التوقف عندها، لما تحمله من مؤشرات خطيرة: 
أولا: حسب نص الخطاب فقد اعلن البغدادي قيام «ولايات جديدة للدولة الإسلامية وتعيين ولاة عليها، وكما نعلن قبول بيعة من بايعنا من الجماعات والأفراد في جميع تلك الولايات المذكورة وغيرها، ونطلب من كل فرد اللحاق بأقرب ولاية إليه، وعليه السمع والطاعة لواليها المكلف من قبلنا». وكانت جماعة «أنصار بيت المقدس» في مصر بايعت «داعش» قبل عدة ايام، فيما أعلن تنظيم «النصرة» الليبي في حزيران/ يونيو الماضي مبايعته للتنظيم.
من الواضح ان البغدادي يسعى الى توسيع «ساحة المعركة» بهدف حرف الانتباه عن الآثار التي لا يمكن تجاهلها لضربات التحالف الدولي، بدءا من فشله في احكام سيطرته على مدينة عين العرب أو كوباني شمال سوريا، الى تعثر تقدمه في عدد من الجبهات العراقية، وهو ما لا يتعارض مع حقيقة انه مازال يشكل خطرا وتهديدا كبيرين ليس فقط للعراق وسوريا بل لدول الاقليم جميعا.
وبغض النظر عن حقيقة مزاعم البغدادي بشأن تمدد التنظيم الى كل البلاد العربية التي ذكرها، فان خطابه يرسم خارطة جديدة للارهاب، وبالتالي الحرب المفترضة ضده. اذ بعد هذا الخطاب لن يستطيع المسؤولون في مصر وليبيا على الاقل ان ينفوا اي وجود لداعش على اراضيهما، ولن يستطيع الامريكيون ان يهربوا من حقيقة ان الارهاب، وان تعددت رؤوسه واذرعه ككائن وحش، الا انه اصبح رسميا يتحرك تحت عنوان واحد عريض، ما يعني ان الحرب ضده لا يمكن ان تقتصر على بلد دون آخر او جبهة دون اخرى مهما تباينت الاسماء. 
ثانيا: اعاد البغدادي تذكيرنا بمدى مركزية «الطائفية» واولويتها سواء ايديولوجيا او عملياتيا بالنسبة لتنظيمه، عندما دعا الى مهاجمة المواطنين الشيعة في السعودية، لمجرد انهم شيعة. واستدعى هذا الطرح الهجوم الذي تعرضت له احدى الحسينيات في المنطقة الشرقية بالسعودية ابان الاحتفالات بعاشوراء.
ويكرس هذا الخطاب حقيقة ان الرجل يشن حربا عقائدية، تهدف الى ابادة من يسميهم بـ «الرافضة في العراق والنصيرية اي العلويين في سوريا»، تحت شعار واضح لا لبس فيه اعلنه في رسالة سابقة وهو (الدم الدم والهدم الهدم). كما طالب بمقاتلة الحوثيين في اليمن من المنطلق نفسه، اي على اساس طائفي، بل وطالب بـ «تفجير براكين الجهاد» ـ اي الحرب الطائفية ـ في كل مكان. وهكذا يؤكد البغدادي مرة اخرى ان مشروعه لا يحمل اي رؤية سياسية، الا الخراب والدمار والقتل الطائفي.
ثالثا: بالرغم من ذكره كلمة «اليهود» معطوفة على «الصليبيين» والتحالف الدولي المحارب لـ «داعش»، لم يأت «الخليفة المزعوم» على اي ذكر لتحريرفلسطين، ضمن خطط «خلافته» التوسعية التي وصلت الى ابواب روما (..). لكنه اعتبر ان «عودة الخلافة» قد اثارت «رعب اليهود». وليس واضحا اسباب هذا «الرعب» رغم ان «داعش» لم يهاجم الا الدول العربية، وفي مقدمتها تلك التي حاربت اسرائيل. وبينما اشار الى السعودية باعتبارها «أرض الحرمين»، لم يروعه ما يجري لـ «ارض أولى القبلتين وثالث الحرمين»، ولم يبرر التغاضي عن وجود كيان صهيوني غاصب بين «ولاياته» من العراق الىالجزائر؟
رابعا: على عكس خطابه السابق الذي حاول فيه ان «يجمل» الصورة الاعلامية للتنظيم، اذ نفى ان يكون أفتى بتكفير أهل الشام، واعلن تعاطفه معهم ضد النظام الذي اشار اليه بـ «النصيريين»، او المعارضة التي سماها بـ «اللصوص والسراق وقطاع الطرق» فان البغدادي بدا أكثر دموية في هذا الخطاب، اذ طالب بـ«حصد جنود الاعداء»، واشعال النيران تحت اقدامهم، وهو ما يشير الى عزمه تصعيد ارتكاب المجازر ربما للحفاظ على صورة «المنتصر»، في مواجهة استمرار الغارات الجوية.
واخيرا فالبديهي ان العرب الذين يواجهون هكذا عدوا واحدا طائفيا فاشيا اجراميا، حولهم بجرة قلم الى «ولايات داعشية»، يحتاجون الى تضامن حقيقي لمواجهته بحرب شاملة لا تقتصر على القصف او الاستخبارات، بل تتسع ساحاتها الى اسلحة الوعي والثقافة وتكنولوجيا المعلومات وتصحيح الفكر الديني. لكن هل بقي للمنطق او البداهة وجود في هذا الواقع العربي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق