بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 نوفمبر 2014

النضال المزيف... - نارت عبدالكريم

ساد الاعتقاد لفترة طويلة، وما زال، أن في مقدورنا تفكيك الاستبداد أو محاربته، من خلال النضال السياسي ضد أنظمة القهر المتعاقبة والمنتشرة كالفطر، ومن خلال نشر النصوص والأبحاث التي تبشر بالديموقراطية، وتشرح أسسها وحسناتها وكيفية تطبيقها، إضافة إلى سمات الجمهورية الحديثة التي تقوم على مبدأ المواطنة والمساواة والعدالة، بدلاً من أنظمة القهر التي تقوم على العصبية والولاء والطاعة العمياء للحاكم. ولا يخلو الأمر من التطرق إلى أثر الدين، ورجالاته، في توطين الاستبداد ودعمه.
استناداً إلى تلك الرؤية، دفع الكثير من السوريين، سياسيين ومثقفين وناشطين، ضريبةً باهظةً من أعمارهم، التي قضوا شطراً منها، لا يستهان به، في سجون الأسد ومعتقلاته. فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من أمضى في السجن زهرة شبابه، في حين كانت المنافي مصير المحظوظين منهم. أولئك أنفسهم، جميعاً، غدوا قادة الرأي ومتصدري صفوف المعارضة في وقتنا الراهن.
وبطبيعة الحال، بدا أن مقارعة المستبد، بداهةً، لا تكون إلا من خلال هذه المسالك التي سلكوها، وسار على دربهم من جاء بعدهم.
لكن الواقع يشير إلى أن تفكيك الاستبداد ودحره قد لا يتوقف عندها، وأن هنالك دروباً أخرى، لو قيض لها من يسير عليها ويبذل الجهود التي بذلت، لأتت ثمارها بأقل التضحيات والتكاليف. ذلك أن ردود فعل «النظام» حيالها ستكون أقل قسوةً وهمجية بما لا يقاس، فهي لا تشكل تهديداً مباشراً لسلطته، وكذلك لأنها، في الآن عينه، هي الجذور التي نبتت منها أنظمة القهر والاستعباد. إلا أنها، هذه الدروب المشار إليها آنفاً، لا تقود الى سلطة ولا إلى مناصب.
فكيف ندعي أننا طلاب حرية وديموقراطية ونحن نشيح بوجوهنا عن عادات أصيلة وقسرية مثل ختان الذكور، ذلك الإجراء المرعب والدامي الذي يملأ العلاقة بين الآباء والأبناء بالهلع، وكذلك بالقدر نفسه جرائم الشرف التي تمنح الرجل سلطةً قسريةً على المرأة وجسدها، وتزرع في الذاكرة وفي الروح هلعاً غير مرئي من دون الحاجة للاعتماد على أجهزة أمن وقوانين طوارئ.
بل ربما أن قادة الرأي، عندنا، كانوا قد صنفوا تلك العادات في خانة إنجازات الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد، فاستنتجوا أن التخلص منها يبدأ بالتخلص منه.
في عمله الخالد «الجياد الهاربة»، يترك يوكيو ميشيما بطل روايته «إيساو» يواجه مصيراً مأسوياً، بعد محاولته الفاشلة لإسقاط نظام الحكم في اليابان، وبعد خروجه من السجن، وفي جلسة عائلية مع والديه، يسر لهم إيساو: «أماه، لو إني بعثت في إهاب امرأة، لما قضيت عمري أطارد الأوهام».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق