بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

◘ إنتهاء مدة الصلاحية - زاهي وهبي

بدا لبنان في الأيام الماضية أمام مشهدين متناقضين وان كانا غير متكافئين: الأول خجول خفر قليل العدد والعدة، والثاني فاحـــش فاجر يمتلك كل أدوات السلطة فيحتكرها ويتلاعب بها كيفما شاء.

الأزمة اللبنانية مزمنة ومستعصية، عمرها من عمر الكيان نفسه نتيجة خلل بنيوي في طبيعة نظام حاكم ربط وجوده ومصيره بوجود الكيان نفسه، حتى غدا كل اهتزاز للنظام بمثابة اهتزاز للأسس التي قام عليها الكيان، وصارت معاداة النظام وطبيعته الطائفية المقيتة تبدو أحياناً وكأنها معاداة للكيان الواقف دائماً على شفير. أجاد أرباب الطبقة الحاكمة على مر العــــقود إعادة انتاج النظام نفسه رغم الحروب والمحن والتضحيات الجسام التي بذلها اللبنانيون لأجل التغيير، لكن إعادة إنتاج النظام كانت تعيد إنتاج الأزمات ذاتها، ولو شئنا استحضار مجموعة صحف من أرشيف الخمسينات والستينات من القرن الماضي وتصفحنا عناوينها لاكتشفنا أن واقع الحال لم يتغير كثيراً، عناوين الأمس تصلح لحال اليوم، وكل الخوف أن تصلح لحال الغد.
يعيش اللبنانيون تحت ظلال الشك والريبة مما قد يحمله قابل الأيام، ثمة عدم يقين تجاه الغد نظراً لما عرفوه وذاقوه من مآس وويلات لا تزال ماثلة في الذاكرة، ندوبها واضحةً لا تمحى بمرور الوقت وتقادم السنوات، لكن الغريب المستهجن أن اللبنانيين يشكون ويـــــتذمرون من نظــــامهم الســـياسي فيما يساهمون في الوقت عينه بحماسة وفعالية في إعادة إنتاجه، فهل العلّة في الاصطفاف الــــطائفي والمذهبي المقيت الذي تجيد الطبقة الحاكمة استغلاله نافخةً في نفيره كلما لاحت امكانية تلاق على عنوان غير طائفي أو مذهبي؟ للسُعار الطائفي دور حاسم في بقاء الحال على ما هي عليه، لكن ربما علينا البحث عما هو أبعد وأعمق في البنية الانسانية والاجتماعية للتركيبة اللبنانية جماعات وأفراداً، اذ من المستغرب ألا يجتمع الناس على رفض الآفات التي تنغص عيشهم اليومي فيما يهبون زرافات ووحدانا لأتفه سبب طائفي. مشكلة الكهرباء مثلاً واحدة من أغرب قصص الهدر والفساد فيما لا تلوح في الأفق بادرة تحرك لاغلاق مغارة علي بابا هذه؟
علامات استفهام كثيرة تبقى بلا أجوبة حاسمة لفرادة الحالة اللبنانية، فالطبقة الحاكمة تعمّق الانقسام العمودي بين الناس حرصاً على امتيازاتها الناجمة أصلاً عن انقسام أفقي، ولولا بعض تباشير تلوح بين الفينة والأخرى لفقدنا الأمل كلياً بالخلاص مما نحن فيه، ومن تلك التباشير إعتراض نخبة من الشباب اللبناني على مهزلة التمديد للمجلس النيابي بذرائع واهية لا تقنع أحداً، بحيث كنا فعلاً أمام مشهدين متناقضين تماماً: شباب حرّ نضر ممتلئ شغفاً وحماسة ينزل الى الشارع ويرفع الصوت ضد تمديد الطبقة الحاكمة لنفسها، تقابله مجموعة من ديناصورات السياسة اللبنانية الرعناء يحتلون مقاعد البرلمان لكي يمددوا ولايتهم الممدة أصلاً. صحيح أن الحراك المدني لم يغدُ حالة عامة، لكن صرخة تحفظ ما تبقى من ماء وجه الوطن في وجه طبقة فاقدة لماء الوجه أصلاً أفضل من الصمت المطبق، فالصمت في بعض حالاته دليل موات، والشباب اللبناني ممثلاً بتلك القلّة الشجاعة يقول لسياسييه الوقحين: أنتم لا تمثلوننا ولا تؤتمنون على غدنا ومستقبلنا وأحلامنا المؤجلة.
أجمل ما في الحراك المدني الرافض للتمديد حين أقفل الطرقات المؤدية الى ساحة النجمة أنه أجبر كثيراً من النواب على التسلل كاللصـــوص الى داخل البرلمان، فبدا المشهد على حقيقته غير المعلنة رســمياً: طبقة حاكمة تتسلل خلسة لكي تمنح نفسها ولاية منتهية الصلاحية فتبدو تماماً كبائع غشّاش يتلاعب بتواريخ انتهاء صلاحية بضاعته فيما البضاعة فاسدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق