بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 يناير 2014

صدأ عماد الدين رائف

هو صدأ. يبدأ بإحساس مزعج يرافق تسلل الدماء إلى العروق. بوخزات إبر. وينتهي باختفاء الشاشة وما تحويه من آراء حربجية متناقضة. يتحول إلى رغبة عارمة بـ«اللاشيء».
ما الذي يعنيه عدم انتمائك إلى طرفين متناحرين استباحا كل شيء؟ غاصا في الابتذال فتفّها كل
المقدسات.. وعلى رأسها «الكلمة». ثم ما الذي تعنيه الألفاظ غير المستعملة، في زمن الطوابير والسيول؟تصدأ الكلمات عندما لا نستعملها في معانيها، التي وضعت لها أو تلازمت معها. كلمات الخير، والصدق، والعدل، والعدالة... وتتسخ الألفاظ عندما تُحشر في غير معانيها. ويتسخ من يستعملها لقذف الآخر بأضدادها.
ما أسهل تراشق الاتهامات بكليشيهات جاهزة أمام محنة انتقاء المفردات لاستخدامها في معانيها.
«عميل»، «مندس»، «مأجور»،.. مصطلحات اعتادتها الأذن من فريقي النزاع وزبانيتهما، والمطبلين والمزمرين لهما. لا وقت لدى الطرفين للتفكير في المعاني. فهما في «معركة كسر عظم». «معركة وجود».
لكل منهما حقيقته المطلقة، وشهداؤه الحاليون والمستقبليون، وقديسوه المطوّبون و«قيد التطويب»، وجنته الموعودة، وحورياته، وآلهته. ولبنانه الخاص به. وكل منهما برأيه، يحق له أن يحكي «فالحكي بلا جمرك».
ذلك الإحساس المقيت يتغلغل في الجسم. لا تجرؤ على مسحِه سهرة عابرة تضمّ وجوهاً طيبة، أو موسيقى ساحرة تجتاحك للحظات، أو رفيق ثمانيني يشاركك بعض ذكرياته... تصدأ الأحاسيس فلا يمكنك توليدها فجأة، وحين تشاء.
وعندما تصدأ الروح، لا يعود مهمّاً أن ينتهي راتبك مع العاشر من كل شهر. أن تصل إلى بيتك أو لا تصل. أن تنفجر السيارة التي تتكئ عليها منتظراً الباص أو لا تنفجر. أن يأتي الغد أو لا يأتي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق