بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 يناير 2014

يوميات - يطهّرون العالم... بمحوه محمد علي فرحات

الاثنين 30/12/2013: أغنيتان
من لوحة لجميل ملاعبقد أكون اشتقت إليك. لست متأكداً. تتنازعني رغبات متناقضة ولا أعرف وجهة نفسي.
قلت أنت الدفء والالفة والمساحة الكبيرة في الذاكرة، لكنني هربت الى الثلج.

وحين أمعنت في السير شمالاً لم يدفئني سوى البكاء.
هل كنت حقاً بكائي؟
- يكفينا الصوت ولا نتبادل الصور.
تكفينا الرسائل ولا نتبادل الكلام.
يفضحنا اللهاث والوجه الجعد،
ونرى الماضي مطلاً من النافذة يضحك من منظرنا، فيما نلحق بالباص ولا نصل.
 > الثلثاء 31/12/2013: مصيران
- ليس من يستقبلنا في الأرض الجديدة.
تكفي شجرات ثلاث للظل والثمر وغناء آخر الليل.
تكفينا للحطب.
نخطّ شارعاً على التراب ونطلق عليه اسم ثعلب. ذلك عنواننا في الأرض الجديدة. ليس ذئباً ولا حملاً، إنه الحيوان المتهم بالاحتيال، الثعلب بمنظره الآسر حين يستريح على صخرة وينظر إلينا بأبهة، ينظر إلينا بدهشة.
في أرضنا الجديدة نحب ونتكاثر، لكن الزمن يطوينا مثلما يلفظ التراب شجرة.
- في العالم الافتراضي نسكن. ليلنا ونهارنا مهددان بضعف الكهرباء أو انقطاعها، لكننا نأنس في عالمنا هذا بعدما مزقنا كتاب اسمائنا الورقي.
هل تكفي الذاكرة؟
سأخبرك يوماً ما أنني نسيت، وأستعير أنا اسمك لتبقي انت النكرة. ولكن، يوماً ما، سيعمّ النسيان لنتساوى مع غيرنا في المجهول، نكون مثل كتلة عجين ويأتي من يعيد تشكيلنا، يدمغنا باسمٍ واحد مع تدرّج في العدد.
نحن، أهل العالم الافتراضي، أرقام من معدن صدئ مرمية على شاطئ مهجور، مع بقايا مراكب وأكواخ.

> الأربعاء 1/1/2014: الدقيقة الصفر
يتوقف الزمن في منتصف الليل (هكذا اصطلحنا وصارت لنا عادة). يتوقف دقيقة واحدة تطفأ خلالها الأضواء وتتداخل الأنفاس وتنطلق الخواطر الأولى: نكمل السنة المقبلة معاً أم نفترق ليختار كلٌّ مساره الجديد؟
يتوقف الزمن لنختار بحرّية، فهو، إذ يسيل، تغمرنا جبريته، وتصير الحياة اليومية واجباً أخلاقياً لا أكثر.
في منتصف الليل تُطفأ الأضواء وتتواصل الموسيقى، هي موسيقى من بلاد بعيدة وهي ايضاً موسيقى جديدة، تحيلنا على هذه اللحظة بالذات ولا توقظ أنغاماً من الذاكرة.
في الدقيقة خارج الزمن، قررنا الافتراق.
ولم أتصل بعدها لأعرف مدى رضاك أو ندمك، أما أنا فقد عضضت أصابعي. أراك على الأرصفة الأليفة وفي زاوية المقهى المطل على البحر، على شمس تغرب بدرجات الأحمر التي لا تتكرر في لوحة أو في صورة فوتوغرافية.
ويكتمل ندمي في هدأة الليل، أقول ليتنا لم نعرف عادة الاختيار الحر ليلة رأس السنة.
أتخيلك فتاة في قرية بعيدة، نسهر في بيتك الأبوي تحت رقابة الأهل، كأننا نتمرّن على حياة عائلية ليس لدفئها مثيل.
ليلة أمس لم يتوقف الزمن. غادرت الدقيقة الصفر بلادنا ولم تعد، ونحن، في مسيل اللحظات، نؤلف سعادتنا من نثار ذاكرة محطّمة.

> الخميس 2/1/2014: تطهير العالم
يكمن دنَس هذا العالم في ترابه الذي يعجّ ببذور تتفتح عشباً وشجراً. والدّنَس يتجلى ايضاً في بشر يبنون أكواخهم في الجبال وعند الشواطئ حيث يصطادون ويحبون ويتكاثرون. ويشمل الدنس حيواناً وطيراً يشغلان تراب الأرض وفضاءها، حيث يعلو ثغاء وعواء وزقزقات.
كل حياة هي دنس وكل موت طهارة، والعالم المطفأ هو الأنقى والأكثر انصياعاً. وحين تتخلق الحياة بشراً وحيواناً وثمراً فهي تتمرّد، لذلك حقَّ عليها القتل، حقَّ عليها المحو.
إنها فلسفة غزاة بلادنا الجدد: لا يريدون استعمارنا بل محونا.
ومن بلادنا المغلوبة ينطلقون الى تطهير العالم كله. ذلك واجبهم وأكثر. يحطمون معالمه ويحرقون شجره ويخنقون نباته ويقتلون حيوانه والطير والبشر.
يسوّون تضاريس العالم المتمرّد، الجامدة والمتحركة، فتستوي حقل رماد جديباً أو مدى من الرمل.
يطهرون العالم مفاخرين بسياراتهم المفخخة على طريق الهداية.

> الجمعة 3/1/2014: خالدة سعيد
من هدايا السنة الجديدة كتاب خالدة سعيد «فيض المعنى» (عن دار الساقي)، وهو مساهمة نادرة في نقد الشعر نتمنى أن يتبعها آخرون، ذلك أن شعرنا الحاضر ضائع في عناوين متكاثرة وفي الانطباعات النقدية.
وليس بعيداً من أحوال الشعر المتبدّلة في عالم اللغة العربية وعوالم اللغات الأخرى، تقرأ الناقدة أعمالاً لأنسي الحاج وعباس بيضون وزليخة أبو ريشة وأمجد ناصر وعبدالعزيز المقالح ووديع سعادة وعبدالمنعم رمضان وعبده وازن وحسب الشيخ جعفر ومحمد بنيس وجودت فخرالدين وسنية صالح.
لقد انطوى زمن الشاعر العربي النجم فلم يعد اللواء معقوداً لشاعر عن المرأة كنزار قباني، ولشاعر اسئلة الحضارة والمستقبل لغوياً وإنسانياً كأدونيس، ولشاعر سؤال الفرد لنفسه كأنسي الحاج، وشاعر التردد أمام تعقيد العيش والسياسة كبدر شاكر السياب، وتحدي العالم وفق المزاج كما عند سعدي يوسف، والجرح الفلسطيني حين يشع احتفالاً وأسئلة وجود كما عند محمود درويش، وأسئلة القضايا العابرة والثابتة كما عند كثيرين، والشعر كخفقة لغوية نورانية واجبة الوجود كما عند كثيرين أيضاً.
الشعر كشعاع وليس الشعراء كنجوم، هو ما نقرأ نقده لدى خالدة سعيد. ومن تقديمها للكتاب نقتطف:
«النص الشعري يجيء من المستقبل، من الممكن والحلم والمرتجى. والنص الفني حدثٌ بادئ، مهما كانت خلفياته وحوافزه والعوامل المؤثرة فيه. والبحث فيه عن العبرة، مثلاً، كخلاصة أو كثمرة للنص، هو تجاوزٌ لخصوصيته أو لكلّيته وقفزٌ إلى ما هو خارجه.
خصوصية النص تقوم في ما لا يقوله إلاّ النص ذاته. وهي ما لا يقوله النصّ منثوراً، لو افترضنا إمكان نثر الشعر، ما دام نظام العبارة وسياقها وموقعها، أي علاقاتها، محدّدات أساسية للخصوصية بوصفها دلالة. وأي ترتيب للنص في نسق مختلف هو إنتاج نص مختلف.
الخصوصية تعني، من ثمّ، أننا لا نستطيع تجاوز النص الشعري الى مراجعه، أو لا نستطيع أن نحدّ النص بمراجعه مهما بدا حضورها، ومن ثمّ لا نستطيع أن نردّه إلى ما يبدو أو يوهم أنه مكوّنٌ له. فالمراجع لها في النص الإبداعي حضورٌ مختلف، إذ تغدو عناصر وظلالاً تفقد استقلالها وتدخل في علائق وتفاعلات جديدة تهيمن عليها كليّة النص، تحكمها وتعيد تكوينها. فالنص الإبداعي هو ما يتشكّل كأفق لمراجعه، وربما كساحة حوار وتداخل أو صراع وتناقض بين مراجعه.
النص الإبداعي هو مشروع المبدع. وإن كان، في الوقت نفسه، مشروعاً- وحتى انفجاراً- داخل بحر اللغة وتاريخها ومحمولاتها وظلالها. انفجارٌ فيها وبها داخل الثقافة والتاريخ العام والشخصي والمؤثرات الراهنة».



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق