بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 يناير 2014

المالكي يزجّ الجيش العراقي في الحرب السورية

 كان بليغاً جداً تصريح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد فضّ اعتصام مدينة الرمادي في محافظة الأنبار الذي اعتبر فيه عملياته العسكرية في الأنبار ‘أكبر ضربة لتنظيم ‘القاعدة’ الذي
خسر ملاذه الآمن في مخيمات الاعتصام غرب العراق’.
ويبدو أن النشوة قد ارتفعت لدى المالكي الى أقصاها بانتصاره العظيم على خيام اعتصام مدنيّ وسلميّ وتحويله مطالب مشروعة الى صراع دمويّ فاعتبر ان ‘العمليات العسكرية الجارية في الأنبار وحدت العراقيين خلف القوات المسلحة وهذا هو عنوان الانتصار الحقيقي’.
لم يدم ‘الانتصار الحقيقي’ للمالكي غير ساعات فاستقال بعده 44 نائباً من المجلس النيابي العراقي واستعاد مسلحو العشائر السيطرة على المحافظة حيث دعا المنتصر جيشه للانسحاب من المدن وتسليمها للشرطة، ثم عدل عن رأيه وقرر ارسال قوات اضافية ‘استجابة لمناشدات أهالي الأنبار’، وهو ما يذكّر بمناشدات أهالي درعا وحمص ودير الزور وحماه وغيرها من المدن السورية لجيشهم العربي السوري الباسل بتخليصهم من ‘الارهابيين’ ثم هدم مدنهم عن بكرة أبيها وتهجير أهاليها الى تركيا والاردن ولبنان وزوايا الدنيا الاربع.
ربط المالكي ما حصل في محافظتي الأنبار وصلاح الدين العراقيتين بالهجوم الذي أودى بحياة قائد الفرقة السابعة في الجيش العراقي مع أربعة ضباط آخرين وعشرة جنود خلال اقتحامهم معسكراً للقاعدة على الحدود مع سوريا، حيث زعم الجيش العراقي بعدها أن عناصر من تنظيم ‘القاعدة’ فرّوا نحو مدينتي الرمادي والفلوجة، وهو أمر ممكن، لكنّ غير الممكن واللامعقول هو أن يقوم مسلّحون من تنظيم ‘القاعدة’ بالالتجاء الى خيام في وسط المدينة وأن ينضمّوا الى النضال السلميّ للمحتجّين.
يلجأ المالكي بذلك الى اللعبة نفسها التي لجأ اليها إخوانه في الاستبداد في سوريا ومصر: تجريم النضال السلمي المدني وتلزيمه، طوعاً او كرهاً، لتنظيم ‘القاعدة’، وفضّ الاعتصامات المدنية بالقوّة العسكريّة، والتعامل مع أي مطالب سياسية بالعنف والقمع.
غير أن الأمر لا يتعلّق فقط بضيق المالكي وأقرانه العرب بالنضال المدني السلمي بل يرتبط أيضاً بالايعاز الذي تلقّاه من الحكومة الأمريكية والذي دعاه الى قتال ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ (داعش) وتبعه بسرعة تزويده بصواريخ وطائرات دون طيار لمطاردتهم.
لا نعرف كيف فهم نوري المالكي ‘الإذن بالخروج’ الذي وقّعته الخارجية الأمريكية لكنّ تحرّك الجيش العراقي باتجاهين: الحدود السورية العراقية، ونحو المحافظتين المعارضتين له (الأنبار وصلاح الدين، اللتين عانتا الأهوال على يد جيش الاحتلال الأمريكي ثم باجراءات الاجتثاث والاقتصاص التي تبعتها على يد السلطات العراقية) يعني أن المالكي اعتبر ذلك تغطية أمريكية لكسر معارضيه السلميين لا المسلّحين فحسب، وهو أمر، لو غضّ الأمريكيون النظر عنه، سيعني أن الأمريكيين صاروا أقرب للموافقة على النهجين المصري والسوريّ (المغطّيين روسياً وصينياً) اللذين لا يميّزان بين إسلاميين معتدلين (الإخوان المسلمين) والتنظيمات السلفيّة المسلّحة (‘داعش’ و’القاعدة’).
سحب ذلك على أهم عنصرين في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة: أمن اسرائيل، ومقاومة ‘الارهاب’ يجعلنا نعتقد أن ‘إذن الخروج’ كان قراراً تجريبياً بإدخال الجيش العراقي، لا الميليشيات الشيعية والسنّية فحسب، إلى ميدان الصراع داخل سوريا، وهو أمر بالغ الخطورة على كامل المنطقة، وسيفتحها على سيناريوهات مرعبة لا يمكن تخيّل حدودها.
لعلّ من أهمّ ما فعلته الأحداث الجارية في المنطقة أنها عرّت أنظمة الاستبداد الواحد تلو الآخر وزجّت بها في أتون المعركة الحقيقية لشعوب تحلم بالحرية وأنظمة تريد بقاء الحال على ما هو عليه.
كشفت الأحداث أيضاً أن الشعوب تتضامن فيما بينها، كما تفعل الأنظمة (حتى المختلفة ايديولوجيا ومذهبيا كالعراق وسوريا ومصر والسعودية) حين تتضامن دائماً لكسر الثورات.
كما كشفت أن الحدود المخترعة في المنطقة العربية لم تعد قائمة وأن كلفة اعادتها الى ما كانت عليه أكبر بكثير مما نتوقع.

ما نشهده هو انفجار تاريخي سيعيد تشكيل جغرافيا المنطقة ومصائر شعوبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق