بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 يناير 2014

خطة كيري لإعلان المبادئ هل تعني اعترافاً بفشل مساعيه؟ آمال شحادة

الطرح الجديد الذي قدمه وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، سعياً إلى «اتفاقية اطار» أو «إعلان مبادئ»، هو بمثابة اعتراف بأنه فشل في خطته الأصلية للتوصل إلى اتفاق دائم للصراع الاسرائيلي-الفلسطيني خلال تسعة شهور. فقد جوبه بعقبات شديدة في اسرائيل، ترافقت مع حملة
تحريض شخصية عليه من وزراء ومبعوثين من رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، فاضطر إلى التراجع، وراح يركز جهوده حالياً حول «اتفاق الاطار». ويبدو انه يخشى من الفشل أيضاً في هذا الهدف المتواضع، ولذلك استنجد بالمسؤولين الأوروبيين، الذين سيتدفقون على المنطقة في الشهرين المقبلين بكثافة، بدءاً من رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية، انغيلا ميركل (إذا سمح وضعها الصحي)...
الاتفاق الإطار أو اعلان المبادئ، ليست بالأمر السيئ. فقد حلت الكثير من الصراعات بين الدول في التاريخ الحديث بالاتفاق على مبادئ أساسية، ثم أُجريت مفاوضات حول التفاصيل. هكذا حصل مثلاً في السلام مع مصر، حيث وقع اتفاق المبادئ في كامب ديفيد عام 1978، ثم تواصلت المفاوضات الثنائية إلى ان اتُفق على التفاصيل الكاملة. وإذا كانت هذه المبادئ ستشمل، كما جاء في التسريبات الأميركية، اقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مع تعديلات طفيفة وستشمل جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، فإنها ستكون بمثابة تقدم كبير إلى الأمام. ولكن كيري، الذي يعرف مسبقاً ما يواجهه من عقبات، كان قد وضع هدفاً محدداً أبلغه للطرفين وللزعماء العرب والغربيين، بالتوصل الى اتفاق دائم ومفصل. بل قال إن هذا الاتفاق سيعتمد على خطة كلينتون ومبادرة السلام العربية كأساس. فاعترضت طريقه عقبات كثيرة حتى الآن، خصوصاً من الطرف الاسرائيلي، جعلته يتجه نحو هدف أكثر تواضعاً. والخوف هو ان يضطره الاسرائيليون الى تراجعات أخرى. وقد بدأوا يقولون من الآن ان الهدف الحالي هو وضع اتفاقية اطار غير ملزمة، مقابل تمديد فترة المفاوضات سنة أخرى.
خطة كيري، على ما يروّج لها اعتماداً على مصادر اسرائيلية، تتحدث عن الآتي:
اعلان دولة فلسطينية وفق حدود 67 مع تعديلات طفيفة، وإبقاء القدس موحدة، على ان يكون شقّها الغربي عاصمة لإسرائيل وقسمها الشرقي عاصمة لفلسطين، ووجود عسكري اسرائيلي لعشر سنوات او 15 سنة على طول الضفة الغربية لنهر الاردن واعتراف فلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية مع ايجاد صيغة تضمن حقوق مواطنيها العرب (فلسطينيي 48). ويرفض الفلسطينيون بشكل قاطع الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، اولاً لأن هذا يعني الطعن بحقوق فلسطينيي 48، وثانياً لأن مثل هذا الاعتراف يجهض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، من سكان البلدات والقرى الفلسطينية التي تهجرت عام 48. ويعترضون على بقاء الجيش الاسرائيلي هذه المدة الطويلة في غور الاردن ويقولون انهم مستعدون لتحمل ذلك ثلاث سنوات على الأكثر. وهم يتهمون كيري بأنه يساير اسرائيل ويتبنى الكثير من مواقفها، خصوصاً في الخطة الأمنية التي يطرحها. في اسرائيل، حظيت خطة كيري بدعم من اليسار ومؤيدي حل الدولتين، فيما اليمين الحاكم صعّد حملته الرافضة لما سمّاه «املاءات اميركية». ورفض ان تكون القدس عاصمة لفلسطين ورفض حدود 1967 كأساس وراح يتهم كيري بالتحيز للفلسطينيين وبـ «السذاجة الأميركية». وحض نواب ووزراء اليمين على رفض اية تسوية يتم فيها «التنازل عن مساحات من اسرائيل تهدد امن الدولة العبرية»، كما قالت النائبة المتطرفة، ميري ريغف. ويطرح اليسار تحفظات عدة ويتحدث عن سيئات في خطة كيري، بخاصة لجهة الحديث عن تمديد التفاوض لفترة سنة، على النحو الآتي:
- التأخير سيمنح فرصة لمعارضي عملية السلام لإفشالها، وإذا كان كيري قوياً فستطبق وفق الجدول الزمني الذي يفكر به (كيري)، وهذا يعني عدم ضمان تطبيقها خلال حكومة نتانياهو، ومن غير المضمون ايضاً اذا كانت الحكومة التي ستأتي بعده ستقوم بتطبيق هذه الخطة.
- أحد البنود التي تتضمنها خطة كيري يتمثل بوجود قوات اجنبية داخل الدولة الفلسطينية الصغيرة والمتوقع ان تكون «مجزأة»، كما وصفها بعض الاسرائيليين. وفي هذا الجانب، تحذر جهات اسرائيلية من ان وجود القوات الإسرائيلية في غور الاردن، يمكن ان يتحول الى نقطة جذب للمقاومة. كما ان القيود الاخرى التي ستفرض على الدولة الفلسطينية – من منع الطيران وحتى السيطرة الاسرائيلية على الموجات الكهربائية-المغناطيسية - تشكل أيضاً سبباً لمشاعر الإهانة والتمييز، تماماً كما في اتفاق باريس غير العادل، الذي رسخ التبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل، وفق ما كتبت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية.
أحد المطّلعين على تفاصيل الخطة، نداف ايال، يقول صراحة ان الخطة مقبلة على فشل، والفشل سيلحق ضرراً جسيماً بإسرائيل، ويضيف: «هذه المرة توجد على الطاولة ليس جزرة فحسب، بل ايضاً عصي ثخينة ومملوءة بالمسامير. فالعزلة لن تبقى هذه المرة مجرد كلمة، بل هي كفيلة بأن تصبح موجة كبيرة».
وبرأي نداف، فإن الاميركيين يتحدثون عما سمّاه «خطة اورانيم الصغيرة». ويتطلعون الى وثيقة أميركية تحدد الاطار (framework) للمفاوضات. وهم كفيلون بأن يسمّوا هذا اتفاق اطار، ولكن، برأيه، هذا تعريف مشوش بل مضلل بشكل مقصود لأسباب عدة، بينها:
اولاً: لا يوجد هنا اتفاق بل تصريح اميركي لن يلزم الطرفين، على الاقل. أما الاتفاق فهو بشكل عام شيء يتفق عليه.
ثانياً: لن يكون هناك اطار حقيقي. وسيستخدم الاميركيون تعبيراً يرتبط بالأرقام «الصوفية» 1967، على حد تعبيره، وسيتحدثون كذلك عن اسرائيل كدولة يهودية وعن ترتيبات أمنية. ولكن لا يوجد هنا اطار عمل حقيقي؛ كالحديث عن نسبة الاراضي التي سيحصل عليها الفلسطينيون مقابل ضم الكتل الاستيطانية.

نتانياهو مختلف
الى حين عودة كيري، بدأ النقاش والخلاف بين الاسرائيليين والفلسطينيين حول اتفاق الاطار، بكل ما يتعلق بمسألة الحدود. فالجانب الفلسطيني يطالب بشكل واضح بأن تجرى المفاوضات على اساس حدود 67، بينما تعارض اسرائيل ذلك. اما الجانب الاميركي فمعني، في الاتفاق، بالإشارة الى إجراء المفاوضات على أساس حدود 67 مع تبادل للأراضي.
ومتوقع ان تشمل خطة كيري ذكر عام 1967 من دون ذكر الحدود. وهذا يعيد الى الاذهان خريطة الطريق التي وقّع عليها، آنذاك، رئيس الحكومة السابق آرييل شارون في نيسان (أبريل) 2003. ووفق خطة كيري، يشار الى «ان الهدف هو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ في 67، من خلال تفهم واعتبار المتغيرات التي طرأت على الأرض».
أما خبير المفاوضات السلمية ايتان هابر، فيرى ان الاسرائيليين كعادتهم يحاولون تجاهل الحقيقة. وللمقارنة يتحدث عن حرب تشرين الأول (اكتوبر) قائلا: «في حينه وصلت دلائل من سورية ومصر تشير الى احتمال شن هجوم على اسرائيل، لكن القيادة قررت تجاهل تلك التحذيرات لأنها أقنعت نفسها بأن العرب لن يحاربوا. وبعد الحرب تم إلقاء تلك القيادة في مزبلة التاريخ». ويطرح هابر سلسلة من الدلائل التي تدعم رأيه في شأن المفاوضات:
- تعامل نتانياهو مع المستوطنات يختلف عن تعامل شامير وبيغن. نتانياهو وعد ببناء الكثير من المستوطنات كـ» مستوطنة ايلون موريه»، ولكن كم هو عدد المرات التي زار فيها المستوطنات، ومتى شوهد وهو يرقص حاملاً كتاب التوراة في كنيس في المستوطنات، ومن المثير فحص الفارق بين عدد المستوطنات التي بنيت في فترة حزب العمل وفترته.
- كيري يتجول هنا بكثرة، ولا يمكن وزير الخارجية الاميركي ان يستثمر كل هذا الجهد من دون فائدة.
- نتانياهو يتهرب من الظهور في مناسبات يمكن ان توجه اليه خلالها أسئلة، فماذا سيقول: الحقيقة؟ ام سيكذب؟
- تعامل قادة المستوطنات مع نتانياهو يقوم على الاشتباه المضاعف به، فهم ينتبهون الى انه يتحدث كثيراً عن البناء في القدس ومحيطها ويكتفي بالكلمات الجميلة حول ارض اسرائيل الكاملة.
- الرسائل التي تصدر عن ديوان نتانياهو تشير الى نشاط كبير مع كيري وعن كيري. والسياسي الماهر لا يزرع الآمال الكاذبة في نفس وسيط مثل كيري، الذي ستحاسب بلاده كل من يخطئ بحقه. فالأميركيون يمكنهم تقبل كل شيء إلا الكذب عليهم.

اتفاق وأربع دول
الموقف الاكثر تطرفاً في اسرائيل تجاه خطة كيري أبداه وزير الدفاع السابق، موشيه آرنز، الرافض لأي مفاوضات وأي عمليات سلام مع الفلسطينيين. وهذه المرة اختار لهجة الترهيب والتخويف فتحدث عن خطة تؤدي الى نشوء ثلاث دول من دون يهود: دولة فلسطين الشرقية (الأردن) ودولة فلسطين الغربية (الضفة) ودولة فلسطين الجنوبية (قطاع غزة)، وكلها من دون يهود، على اعتبار ان بقاء اليهود في هذه الدول ليس مطروحاً في الاتفاق كمبدأ، ولكنه من دون ذلك لن يتم التوصل الى اتفاق، كما يبدو.

ولم يكتف آرنز بذلك، بل اضاف يقول: «يمكن من يشاء اعتبار الاتفاق المستقبلي بمثابة حل يقوم على أساس دولتين للشعبين، لكن في الواقع يدور الحديث عن اربع دول للشعبين، ثلاث منها من دون يهود، وواحدة (هي اسرائيل) يشكل العرب فيها نسبة 20 في المئة». ووفق نظرية آرنز، فإن دولة فلسطين الغربية، أي الضفة، ستكون عملياً من دون يهود على رغم وجود الكتل الاستيطانية، لأن هذه الكتل سيتم ضمها الى اسرائيل، وفي مقابلها ستحصل فلسطين على مناطق غير مأهولة من الأراضي الاسرائيلية، في اطار «تبادل الأراضي»، وهو ما يعني في نهاية الأمر قيام دولة فلسطين الغربية على المساحة ذاتها التي كانت خاضعة للسيطرة الأردنية قبل عام 1967.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق