بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 يناير 2014

إستراحة مع ثوار ليبيا - بسام البدارين

بقيت لمدة أسبوع مع أخوة وزملاء وأشقاء في ليبياإسمتعت لمثقفين من مختلف التيارات والإتجاهات..دققت بالمارة والأبنية والسيارات وتفحصت جيدا مظاهر الدعاية الإستهلاكية التي تحاول الإيحاء بأن شيئا ما على المستوى التنموي يحصل وإختبرت عن قرب مستوى التحدي الذي يواجهه شعب طيب وعروبي وشريف وصابر مثل الشعب الليبي .توقفت في طرابلس وتحدثت لأهلها وعبرت في شوارعها وشاهدت بعيني الأبنية التي قصفت ومستوى الحسرة في عيون الناس وصور شهداء ثورة فبراير المجيدة تزين جدران المدينة وتجلس بوقار وإحتشام مكان تلك الصورة العملاقة التي كان لها دوما بطل واحد.
اليوم شبان في عمر الورد ومقاتلون أشاوس تركوا وراءهم عائلات وأرامل وأيتاما وعشائر ومدنا حزينة على فراقهم لكنها تفتخر بهم ..هؤلاء الشهداء البسطاء من الناس العاديين يلقون التحية على زائر طرابلس بعد أقل من عشرة أمتارعلى تجاوز نقطة التفتيش العسكرية بدلا من تلك التحية المتعجرفة التي كانت تلفح وجوهنا ونحن نعبر طرابلس بحثا عن مسرح او دار سينما أو مستشفى حقيقي.
عاينت عن قرب مدينة بنغازي وتسامرت مع بعض أركان الثقافة فيها وتجولت في شوارع هذه المدينة الساحرة التي تخلب الألباب رغم أنها خارجة للتو من جرح عميق بعدما حاول نظام فاسد إخضاعها وإخضاع أهلها الشرفاء.
تحدثت للثوار الشباب وتجولت بالأروقة برفقة عزيز وتحادثت مع المكان والشوارع وسائقي السيارات وأصحاب المقاهي.
الإستراحة مع ثوار عزل قاوموا المخرز بالكف والدبابة بالإرادة وقطعان المرتزقة بالهتاف تنطوي على شرف خصوصا وأنت تلمس مظاهر البراءة عند غالبية من تلتقيهم في ليبيا الجديدة.
كزائر وضيف كان بين اهله لا يوجد ما اتحسر عليه من ماضي ليبيا المعاصر فقد زرت هذا البلد عدة مرات على هامش القمم العربية الإفريقية الإستعراضية دون ان يخالجني في اي لحظة شعور بانها ليست أكثر من مهرجانات للتضليل وإستعراضات لربطات العنق والأزياء الغريبة والغريبة.
لم تخدعني المظاهر في الماضي وكنت أسأل دون تكبد عناق التدخل عن مستوى وسر الصبر الذي يظهره الشعب الليبي.
تبينت الأمر حتى قبل ثورة فبراير المجيدة التي اطاحت بواحد من اعتى ديكتاتوريات العصر الحديث وأكثرها غرابة.
الليبيون في غالبيتهم يمنحون الفرصة ويؤمنون بالعروبة ولا يزاحمون عندما يتعلق الأمر بالمال ويتميزون بالطيبة التي لا ينكرون أنها إستغلت تماما من قبل النظام المخلوع وازلامه بعد أن نهب الثروات وبددها.
الرئيس الجميل لمجلس الثقافة في بنغازي أبلغني بأن الأشقاء العرب سيسهرون بإذن الله قريبا بين أخوتهم على شواطىء ليبيا الجديدة والحرة قائلا: سنشكر كل من وقف معنا في الأزمة ونصافح من لم يقف ونحتضن الجميع مشيرا إلى التطلع للمستقبل هو الذي يشغل الليبيين في هذه المرحلة.
المهم اغلق الليبيون صفحة من تاريخهم المعاصر ويعدون العدة للإنطلاق من جديد وسط مشكلات متراكمة مفهومة من الواضح أن الإرادة متوفرة لتطويقها وتجاوزها رغم أن المهمة صعبة ومعقدة وطويلة إلا أنها ممكنة بل واجبة عمليا ليس على الأشقاء في ليبيا فقط لكن علينا نحن جميعا العرب المراقبين فليبيا تستحق التفهم ولا تريد شيئا منا نحن العرب أكثر من الدعاء وتجنب إعاقة شعبها الجميل.
ما تعيشه ليبيا اليوم من صعوبات ستكون على الأرجح مرحلة وتعبر على محطة الإرادة الشعبية فهذا البلد خرج من تحديات أساسية لا يمكن نكرانها بعدما إحتمل ما لا يحتمله بشر وهو مؤهل لتجاوز محنته والإنتقال بكفاءة ومسؤولية وإنتاجية ووطنية للمستقبل.
قابلت العشرات من الشبان الليبيين المتدفقين طاقة والراغبين في التغيير والإصلاح وسط إدراك عام لمستوى وحجم التحدي وحالة شعبية عارمة وجياشة مستعدة للإنتاج ولكلفته ولا تحتاج بكل صراحة إلا لقيادات ونخب على قدر المسؤولية وتستقر عندما يتعلق الأمر بالوضع العام والمستقبل في أبعد مسافة ممكنة من الشخصنة والمصالح الضيقة وحتى الخطاب الأيديولوجي.
على النخب برأيي الشخصي ومن باب المحبة للوطن الليبي أن تترفع عن مصالحها الشخصية وأجنداتها المناطقية والقبلية وتساعد عشرات الشبان من الجنسين الذين يمكنهم أن يؤسسوا نموذجا لحضارة شعوب المنطقة والعالم فيما ينبغي على الدول العربية والأوروبية ان تقوم بواجباتها وأن لا تقتصر علاقاتها مع ليبيا على الجوانب المصلحية والإستثمارية فليبيا بلد مهم وأساسي في وجه القارة السوداء وإستقراره وأمنه مصلحة للجميع في الشرق والغرب والعبث فيه يعني التلاعب في قلب أوروبا.
شباب ليبيا مستعدون للمستقبل وقادرون على الإنجاز ونتوقع معهم من صالونات وأوساط النخب مبادرات خلاقة منتجة بمستوى المسؤولية الوطنية على اساس إحترام طاقات الشباب ومنحهم الفرصة لخدمة مستقبلهم بعيدا عن نمطية الأجندات والتشبث بالرأي وإعاقة الحركة قصدا لصالح المصالح الفردية الضيقة.
الثورة لم تكن هدفا بحد ذاتها بل دربا نحو ولوج المستقبل والوقوف على محطة المرحلة السابقة سواء للإحتفال أو للذكريات السيئة لم يعد مفيدا والفرصة ينبغي أن تكون متاحة لإعادة الحسابات بتأمل والعمل بيد واحدة نحو العمل المؤسسي وتنسيق دولة القانون والمؤسسات وهيبة الأمن والدولة.
نتفهم مستوى الأذى الذي تعرض له شعب عظيم مثل الشعب الليبي في العقود الاربعة الماضية لكن الفارق زمنيا كبير بين الوقوف على أطلال الماضي مطولا وبين الإنتقال فورا لمعركة الإنجاز والعمل والإنتاج .
الفارق أكبر في مستوى ونوعية وكم الإنتاج بين الوقوف عند جدار الإنتقام والثأر والجلوس مع السلبية وبين تمييز الماضي عن المستقبل.
والفارق أكبر بين بين الوقوف مطولا على محطة الألم والتحسر وإطلاق القصائد في الظلام والتعمق في التشاؤم بسبب الواقع الحالي وبين المغادرة نحو محطة التفاؤل والعمل والبناء والقيام بالواجب والمبادرة فورا لإشعال شمعة.
لدى المثقفين الليبيين بعض المرارات من خذلان الكثير من الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب لهم خصوصا وليبيا لا تتلقى التشجيع اللازم للمضي قدما في فتح صفحة جديدة وهي بكل تأكيد تحتاج لتفهم ومساندة كل صاحب ضمير حريص على وحدة وبقاء وإستقرار هذا البلد العربي الجميل المدهش الذي حباه الله بمساحات وإمتيازات ينفرد بها دون غيره من شعوب وبلدان الأرض.
تشكلت لدي صورة والكثير من الإنطباعات وفهمت كمراقب ما يجري في هذه الساحة المهمة واستأذنت الأشقاء بأن أكتب إنطباعاتي بكل حرية وهو ما سأفعله بأكثر من شكل خلال الأسابيع المقبلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق