بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 فبراير 2015

هل ستكون هناك معركة لتحرير الموصل؟ داود البصري

في العراق اليوم تدور رحى معارك صامتة وخطيرة على صعيد تقرير الإرادة أو حسم الملفات, أو محاولات لرسم خريطة طريق عراقية جديدة قد تعيد التوازن للعملية السياسية الكسيحة التي وصلت الى وضع مأسوي مع زيادة الإنقسام المجتمعي والطائفي الذي ينذر بنهايات مريعة لإدارة الصراع في العراق, ولعل أهم الملفات الساخنة في العراق اليوم هو ملف الاستعدادات الجارية لاستعادة الموصل و المناطق المحيطة بها, من أيدي تنظيم “داعش”, وهو الملف الذي فشلت حكومة نوري المالكي السابقة في إدارته بعد هزيمتها المخجلة و المريعة في العاشر من يونيو 2014, وما نتج بعد ذلك من إنهيار عسكري وأمني كانت نتيجته تنحي نوري المالكي, ووصول رفيقه في حزب “الدعوة” حيدر العبادي في عملية تبادل سلطوي شبيهة بانقلاب سياسي, فالعبادي حاول منذ لحظات تسلمه الأولى للسلطة التخلص التدريجي من التركة المالكية الثقيلة التي بددت مئات المليارات من الدولارات في بناء جيش وهمي فضائي عامر بملفات الفساد, والإفساد, والرشاوى, وقلة الكفاءة بل إنعدامها, والمالكي ترك الحكومة بعد أن أدخل العراق بسياساته الطائفية في هوجة حرب طائفية متنقلة لا تخطيء العين الخبيرة أبدا قراءة نتائجها التراكمية الرهيبة, ليس على المستوى العراقي فقط بل على المستوى الإقليمي.
إعادة بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية في ظل أحوال التطاحن الداخلي وتمدد التنظيمات المسلحة وتوسع الدور العسكري الإيراني, والميليشيات الطائفية المرتبطة به, أمر ليس بالسهل في ظل أشرس أزمة اقتصادية طاحنة يعيشها العراق, ومع إنقسام مجتمعي غير مسبوق! وعملية إعادة تحرير الموصل ومحيطها وضمها من جديد لسيادة السلطة العراقية لها أولويتها و أهميتها القصوى ضمن حسابات إدارة الصراع الداخلي, ولكن يبدو, ووفقا للمؤشرات الأخيرة, واستنادا الى التصريح الإستخباري الأميركي الذي يؤكد باستحالة قدرة القوات العراقية على دخول المعركة في ظل أوضاعها الحالية, وان المعركة تتطلب الوجود الميداني لأكثر من 100 الف جندي أجنبي, فان معركة الموصل لن تكون قريبة أبدا, وإن هناك مفاوضات سرية مع قيادة “داعش” لسيناريوهات إنسحاب مدفوع الثمن.
لكن الأخطر من كل شيء هو ما تأكد لدينا من مصادر قيادية في حزب “الدعوة” الحاكم عن ان هناك 55 ضابطا عراقيا ميدانيا برتبة عميد قد كتبوا رسالة لحيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة, يعربون فيها عن رفضهم الصريح للتقدم نحو الموصل واستعادتها من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية بسبب عدم رغبتهم بالخضوع لأوامر “البيشمركة” الكردية وخشيتهم من الغدر.
إضافة إلى أن العمل في محيط الموصل يعني العمل في بيئة معادية, وهو ما يجعلهم يرفضون بالكامل قيادة العمليات, وقد أعرب العديد من القادة عن وضع استقالاتهم بتصرف القائد العام, وهو ما يعني أن كل التصريحات التي أطلقها العبادي عن قرب تحرير الموصل إنما هي أمنيات أكثر من كونها وقائع! كما أنها للاستهلاك الإعلامي فقط, فالرياح باتت تجري بما لا تشتهي السفن, يضاف الى ذلك ان تجاوزات الحشد الشعبي في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار, او قتل العديد من المواطنين العراقيين السنة بذرائع وهمية, وبتبريرات واهية, قد رسمت خطوطا دموية على الرمال العراقية, وجعلت من الحساسيات الطائفية عنصرا مركزيا في تقرير طبيعة العمليات المستقبلية.
فالأوضاع الاقتصادية والنفسية للمؤسسة العسكرية العراقية لا تتحمل أي عمليات عسكرية واسعة النطاق, ثم أن قوات التحالف الدولي, والجانب الأميركي خصوصا, قد أعلن سابقا أن المدى الزمني لعمليات القضاء على “داعش” قد يصل الى 5 أعوام ولربما أكثر.
إذن الاستعجال الحكومي العراقي لا يعبر عن مواقف حقيقية ونهائية, والجانب الكردي بدوره لا يسمح أبدا بأن تتحرك قوات الحشد الشعبي من دون إشراف وقيادة “البيشمركة” وهو الأمر الذي يرفضه الحشد ويرفضه حتى الجيش العراقي, فالعملية معقدة و ذات أبعاد طائفية و عشائرية ونفسية, وأي هزيمة عسكرية عراقية جديدة تعني تشرذم العراق وتفجره من الداخل وبما ينعكس على الأمن الإقليمي العام.
خيار المفاوضات الكواليسية هو الأرجح في وقت تكون فيه الأصابع على الزناد… تطورات ساخنة سيعيشها العراق خلال الأيام المقبلة.
* كاتب عراقي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق