بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 فبراير 2015

◘ وأنا ولائي للدولة - راشد فايد

تسترعي حملة "أنا ولائي للجيش" الاهتمام، إذ هي المرة الأولى التي يظهر فيها الجيش في حاجة إلى استدعاء غطاء شعبي، أو كأنما يقول للرأي العام انه فريق آخر، ومحل إجماع في وجه الإرهاب المتديّن، والترهيب المتدين. أي بين متأسلمين دمويين، ومتمذهبين ليسوا أقل دموية.
لكن هذا المنطق، لا يحيل على التجاهل أمراً يمس بنية الدولة، أو ما بقي منها. وهي القائمة على ثلاثية "أرض وشعب ومؤسسات"، والجيش في أساس الاقنوم الأخير، وليس حالة خارجة عنه. وإلا فماذا يمنع أن يكون ولاء آخرين لمؤسسة أمنية مهمة أيضاً كالأمن العام، وأمن الدولة. أو حتى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يوفر الأمن الصحي للبنانيين، أو إلى مجلس الجنوب وصندوق المهجرين اللذين اغنيا كثيرين، حتى باتوا معالم "في الحياة العامة"؟
قد يقول مُدافع إن الولاء لا يتناقض مع الانتماء إلى الوطن. لكن الواقع أن الولاء يتداخل مع الانتماء الذي هو أحد مكونات المواطنة، ويشير إلى الانتساب إلى كيان أو جماعة أو طبقة. والولاء، بكلام أرقى، هو ترجمة للاعتزاز بالانتماء، ونوع من رد جميل من المواطن. فهل الانتماء إلى الدولة يكون بالولاء لجزء منها؟
يقول المنطق إن الانتماء إلى وطن يستبطن الولاء لقوانينه ومؤسساته، وفي طليعتها الجيش، ما يعطي الانطباع، الكاذب، بأن حملة الولاء للجيش، تجعله مؤسسة خارج مبنى الدولة، فيما هو سياجها وحمايتها، ومن لب تكوينها.
تظلم هذه الحملة الجيش واللبنانيين معاً، إذ تصور المؤسسة العسكرية كياناً خارج القرار السياسي، له جمهوره، خارج الايمان بالدولة، وتقسم، معنوياً، المواطنين بين من يوالي الجيش، ومن لا يواليه، كأن لبنان يسعى إلى نظام عسكري على النمط التركي القديم. وهذا أمر لم يسع اليه الجيش يوماً، ولا تسمح به التركيبة اللبنانية.
خطأ آخر في الحملة أنها توحي أنها تضمر دعوة إلى انتماء جزئي، ويحمل مضمونها تمايزا لبعض اللبنانيين بالحض على دعم الجيش من دون سائر مكونات الدولة، كمؤسساتها، ودستورها وقوانينها وحريات المواطنين فيها.
يعرف اللبنانيون، إلى حد الايمان، ان الجيش هو عميد المؤسسات، وأكبرها، في الدولة اللبنانية وما يميزه هو وحدته، وتماسكه، على رغم المحن والامتحانات الكثيرة التي مرّ بها، لا سيما منذ 2005. وكل مرة، كان ينتصر بوحدة اللبنانيين خلفه واتحادهم معه، لإيمانهم بأنه عنوان بقاء الدولة. حتى يوم وشت وقائع بانحيازه، لم يترجم الاعتراض عداءً له، من طرابلس، إلى صيدا، وفي كل لحظة عصيبة يواجه بها عدواناً أو تمرداً على الوطن.
لذا، لا يحتاج اللبنانيون إلى تبرئة ذمتهم، بإعلان الولاء له. فهم أكدوا حرصهم عليه، بشراً ودوراً، إما بانخراط أبنائهم في صفوفه، وإما بالتضامن معه، وبتأكيد الولاء للدولة عند الشدائد، وهو عمادها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق