بكل وضوح

مدونة تعنى بالأحداث الفلسطينية والعربية وتطرح الرأي والرأي الآخر للمساهمة في صياغة وجهة نظر متزنة ومحايدة..

الصفحات

  • الصفحة الرئيسية
  • عن المدون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 فبراير 2015

ليل كافر - الفضل شلق


ليل الأمة كافر. في القاموس، «تاج العروس»، الليل الكافر هو الليل الشديد العتمة. ثورة 2011 صادرتها الإمبريالية والدول الإقليمية أي تركيا وإيران، والدول العربية الاستبدادية الإمبراطورية، وحولتها إلى حروب أهلية دامية. ليل كافر هو الليل الذي ينعقد فيه مجلس الأمن، وتستدعي دول عربية الغرب الإمبريالي ليبيعنا السلاح وليتدخل مباشرة لحل قضية ليبيا مثلاً، فكأننا في هذه البلاد تنقصنا الأسلحة. ليل كافر هو عندما نترجى الغرب أن يحل قضايانا العربية. معنى ذلك عودة الاستعمار برضانا.
ليل كافر عندما نعتبر أن لـ «داعش» وأخواتها وجرائمها بيئة حاضنة. هي شعوب لم تكن كذلك، وصارت كذلك. عندما كان عبد الناصر يخوض صراعاً مع «الإخوان المسلمين» كان جمهور الناس معه. كان لواؤه العروبة وكان لواؤهم الإسلام. والسادات الذي جاء بعد عبد الناصر تحالف مع الإسلام السياسي لنزع الناصرية، والتطورات اللاحقة في تركيا وإيران، جاءت بالإسلاميين. شعوبهم بيئة حاضنة لشيء آخر. شعوبنا ينقشع ليلها بالعروبة العلمانية لا بفيض روحي من قائد أو بفيض رباني.
ليل كافر ينقشع بالعلمانية عندما ننتصر داخلياً على «داعش» وأخواتها وعندما نبني مجتمعاً حديثاً متماسكاً قادراً على حل قضاياهم وعلى تحرير فلسطين. كما قال ياسين الحافظ والياس مرقص، منذ أكثر من نصف قرن. القضية عربية، وتحرير فلسطين في قاع القضية. إسرائيل ضفدعة تنتصر على الفيل العربي، برغم أنها الأضعف تقنياً وسلاحاً وتأييداً عالمياً. نتفوق على إسرائيل عندما تتحقق إرادتنا في بناء المجتمع القادر على التماسك والتصنيع، المجتمع القادر على استخدام موارده بكوادر بشرية ذات كفاءة. أما بالتخلف والتأخر، فإننا ننتج «داعش» كمحاولة بائسة محبطة تدفع مقاتليها للانتحار. أمة مهزومة ذات إيديولوجيا مهزومة، الإيديولوجيا المهزومة هي التي تبرر الهزيمة، وتعتبر كل انتصار جزئي هو نهاية المعركة، بالأحرى نهاية الحرب وذلك ينتج عن اليأس لا عن الأمل. إسرائيل عدونا، صراعنا معها وجودي. معنى ذلك أن بقاءنا مرهون بزوالها، وبقاؤها مرهون بزوالنا. عند زوالها يكون النصر الحقيقي. الولايات المتحدة، ربيبة إسرائيل، تعاني من تناقضات داخلية، ويمكن أن تخسر معركة أو أخرى في منطقتنا. هزائمها حتى الآن لا تعني أننا انتصرنا. نحن ما زلنا مهزومين. يمكن أن تنهزم أميركا. لكن من قال إننا انتصرنا إلا في معارك جزئية (بالنسبة للأمة العربية) كما في عامي 2000 و2006.
الصراع الراهن هو بين مجتمعات. وعندما يحصل بين مجتمع متقدم حديث ومجتمع تقليدي يسكن في الماضي ويعجز عن التماسك والبناء وإنتاج الحداثة لا استيرادها، فإنه من الطبيعي أن ينتصر المجتمع المتقدم ولو كان صغيراً، على المجتمع المتخلف المتأخر ولو كان يكبره بأضعاف. الضفدعة تركب الفيل إذا كانت حديثة وهو متأخر.
إذا كان مجتمعنا «بيئة حاضنة»؛ فهو حتماً ضعيف، وهو سائر نحو مزيد من الهزائم. شعوبنا تقاوم، وهذا هو الأمر الطبيعي. وهي تقاوم منذ أن دخل الغرب إلى بلادنا قبل أكثر من قرنين. وإسرائيل وجود غربي كشف هشاشة البنى التقليدية في مجتمعنا العربي. لا ننتصر عندما ننهي كل معركة مع إسرائيل باتفاق السلام معها. ما دامت إسرائيل موجودة فنحن مهزومون. لم يضع عبد الناصر المعركة في أمر اليوم بل دُفِع إليها؛ ووُضِعت الأفخاخ كي يقع فيها. نُزعت الناصرية والعقلانية بعد موته؛ وجاء الإحياء الإسلامي ليقضي على ما تبقى منها.
الطبقات العليا في مجتمعنا العربي تابعة للإمبراطورية ذاتياً وموضوعياً. لا تهمها مواجهة إسرائيل ولا زوال الأمة العربية. الطبقات الدنيا عندنا قاومت المرة بعد الأخرى خلال القرنين الماضيين. وفي كل مرة كانت تهزم، وفي كل مرة كانت الإمبراطورية تعيد ترتيب أوضاعها، وفي كل مرة تزداد إسرائيل قوة ونزداد ضعفاً. الليل كافر.
نخرج من الليل إلى النور بحداثة نضعها نحن على هدي العلم الحديث، لا العلوم الموروثة من الماضي؛ وذلك عندما تتحول مجتمعاتنا إلى العلم الحديث والصناعة والزراعة والإنتاج واستخدام الموارد بعقلانية، وممارسة السياسة بعقلانية. يلزمنا من أجل ذلك الكثير من النضال كي يصير مجتمعنا قادراً على الانتصار. ولا يصير كذلك إلا بالتغلب على هذه الدول الاستبدادية التي تحكمنا، وبالتغلب أولاً على ذاتنا المتخلفة والماضوية والتقليدوية. ننتقل إلى الحداثة عندما نصنعها نحن باستيعاب الثقافة العالمية، لا عندما نستوردها ونستهلك صادراتها ونكرر أفكارها كالببغاوات. «داعش» وأخواتها جزء من الهزيمة التي تستورد التكنولوجيا الحديثة وتعتمد في أفكارها على الماضي. تعيش في الماضي وإن بأدوات حديثة. نريد صنع المستقبل بأن نعيش الحاضر والمستقبل في ضوء المستقبل بأفكار المستقبل. ما زلنا دون ذلك.
بلادنا العربية هي المركز العالمي للصراع ضد الإمبريالية. هي معركة شرسة فرضت علينا. ولا خروج منها بالانتصار إلا ببناء مجتمع حديث مترابط، وبالخروج من هذا الليل الكافر. علينا أن ننتصر على أنفسنا أولاً.
مرسلة بواسطة Unknown في 11:49 م
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركة‏المشاركة على X‏المشاركة في Facebook‏المشاركة على Pinterest

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية
الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom)

اشترك معنا على الفيسبوك

الأكثر قراءة

  • زوبعة في فنجان الغنوشي
    لامس زعيم حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي منطقة حساسة في فكر الإسلام السياسي هي فصل الدين عن الدولة. لم يصل إلى ذلك صراحة بل اكتفى بالفصل...
  • المؤيدون للنظام يتصدرون الدراما السورية في رمضان.. والمعارضون يلجأون لمصر - ريما شري
      لا شك أن انتاجات الدراما السورية تصدّرت الشاشات العربية وتربعت على خارطة الموسم الرمضاني في السنوات الأخيرة الماضية.   ولع...
  • سياسة الخيل والبغل
    يقال ان مصطلح السياسة خرج من الاسطبل. ساس السائس الخيل، اي رعاه، ودربه، وعلمه تدريجيا ليصبح منسجما مع منظومة البشر وصديق فارسه. خارج الاسط...
  • فتنة الانتماء لـ"الإخوان"!عبدالله الملحم
    قبل الحديث عن فتنة الانتماء لـ"الإخوان المسلمين" كتيار فكري وسياسي له حضوره في الشارع العربي، يحسن المرور بفتنة خلق القرآن، ...
  • صدام حسين حي... حقاً إنه حي - عمر قدور
    لم يكن ينقص في المعمعة العراقية الحالية سوى ظهور تسجيل منسوب الى الرئيس الراحل صدام حسين، وعودة الصداميين إلى التبشير بقرب ظهوره مع إعادة...
  • «امرأة لا قبر لها» لآسيا جبار: نساء الجزائر في اختفائهنّ
    في العام 2002، وقبل رحيلها بسنوات قليلة، أصدرت الكاتبة الجزائرية آسيا جبار، وبالفرنسية كما دأبها في جميع كتاباتها، واحداً من كتبها الأخيرة...

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

المتابعون

الأقسام

  • اقتصادي
  • ثقافي
  • عبدالحكيم صلاح

أرشيف المدونة الإلكترونية

  • ◄  2019 (2)
    • ◄  يناير (2)
  • ◄  2018 (113)
    • ◄  أغسطس (5)
    • ◄  يوليو (11)
    • ◄  يونيو (36)
    • ◄  مايو (13)
    • ◄  أبريل (10)
    • ◄  مارس (16)
    • ◄  فبراير (16)
    • ◄  يناير (6)
  • ◄  2017 (105)
    • ◄  ديسمبر (6)
    • ◄  نوفمبر (7)
    • ◄  أكتوبر (9)
    • ◄  سبتمبر (14)
    • ◄  أغسطس (6)
    • ◄  يوليو (7)
    • ◄  يونيو (9)
    • ◄  مايو (11)
    • ◄  أبريل (13)
    • ◄  مارس (2)
    • ◄  فبراير (10)
    • ◄  يناير (11)
  • ◄  2016 (116)
    • ◄  ديسمبر (6)
    • ◄  نوفمبر (14)
    • ◄  أكتوبر (4)
    • ◄  سبتمبر (11)
    • ◄  أغسطس (12)
    • ◄  يوليو (9)
    • ◄  يونيو (20)
    • ◄  مايو (18)
    • ◄  أبريل (8)
    • ◄  مارس (5)
    • ◄  فبراير (5)
    • ◄  يناير (4)
  • ▼  2015 (286)
    • ◄  ديسمبر (10)
    • ◄  نوفمبر (7)
    • ◄  أكتوبر (17)
    • ◄  سبتمبر (19)
    • ◄  أغسطس (15)
    • ◄  يوليو (10)
    • ◄  يونيو (14)
    • ◄  مايو (30)
    • ◄  أبريل (18)
    • ◄  مارس (43)
    • ▼  فبراير (55)
      • ◘ «عازف البيانو» لبولانسكي: يهود تعاونوا ونازيون ت...
      • الهويات الدينيّة تبحث عن تحقيق ذاتها بواسطة العنف ...
      • في بعض أسباب تعثّر الوطنية السورية - طارق عزيزة
      • في أن الدين لا يموت في الحداثة - رشيد بوطيب
      • مشاغب وحكيم ومنقذ - زهير قصيباتي
      • معالي الوزير .. ما تترقع - سعود الريس
      • {داعش} في الجزيرة العربية - باسل محمد
      • ◘ نسبة البطالة زمن النبوة! - جاسر الجاسر
      • ماكينة تدمير - توفيق السيف
      • ◘ وأنا ولائي للدولة - راشد فايد
      • ليل كافر - الفضل شلق
      • ◘ دم ... بنزين وقفص - عبده وازن
      • رواتب الحكومة يا حكومة! - عبدالله بن ربيعان
      • مصر بين مذبحة تنظيم «الدولة» ورد جوي خاطف ومفاجئ!...
      • القلق الأمريكي الاسرائيلي من انهيار السلطة الفلسطينية
      • ◘ حصاران؟ - فجر يعقوب
      • أوباما يدفع المنطقة نحو الهاوية - خالد الدخيل
      • ◘ حزب الله وحماس والعروبيون... استهلال لنقاش أعمق!...
      • الغائِبون سيُهْمَلون - غسان العياش
      • ◘ المجتمعات - سمير عطا الله
      • عباءة السلطان - توفيق السيف
      • حالة الفشل المدني - عبد المنعم سعيد
      • الورطة! - حسين شبكشي
      • ◘ الجائزة «المفخّخة» - عبده وازن
      • شيخوخة النظام السياسي الفلسطيني - ماجد كيالي
      • الأقليات وخيارات المصير - حسين درويش العادلي
      • ◘ أولويات المرحلة - علي نافع حمودي
      • ◘ حبر وملح (صلَةُ قلب) - زاهي وهبي
      • أميركا تراهن على حصان جديد - خالد القشطيني
      • سقوط دمشق … ورعب حلفاء النظام السوري - داود البصري
      • ◘ حصيلة «منتدى موسكو» السوري: الحل لم ينضج إيرانيا...
      • «الأمير» لمكيافيللي: من دولة القطيع إلى دولة السيا...
      • ◘ جامعة لبنانية... لا إسلامية ولا مسيحية - ابراهي...
      • «متعة القراءة» للفرنسي دانيال بٍناك.. الدخول إلى ق...
      • ◘ عشائر منزوعة السلاح - عادل حمود
      • هل ستكون هناك معركة لتحرير الموصل؟ داود البصري
      • ◘ حزب الله وصنعة المزايدة (ضدّه) - أسعد أبو خليل
      • صناعة التحريض المذهبي - علي عبد الله فضل الله*
      • ◘ حبر وملح (جغرافيا مأسوية) - زاهي وهبي
      • أربع أفكار لإنقاذ السلام - كوفي أنان، و غرو هارلم...
      • قبائل لا دول - سمير عطا الله
      • ◘ الاعدام حرقا .. نقاش شرعي - وائل البتيري
      • كيف قُرئت رسالة {داعش}؟ -عادل حمود
      • «داعش» وصناعة الصورة  عامر محس
      • ◘ «علم ما وراء النفس» لفرويد: تنويعات على الحلم وا...
      • داعش وصلت طوكيو و«إبنتي» تقيم في «الضفة الغربية» ب...
      • جيراننا الدواعش - توفيق السيف
      • الخطبتان - سمير عطا الله
      • حرب متعددة الادوار ارهابية واقتصادية - مهدي المولى
      • القطاع الخاص - محمد عبد الجبار الشبوط
      • الحوار بين الأديان - محمد صادق جراد
      • ◘ إلى متى يظل لبنان طاولة "بينغ بونغ" ولا يُحسَم ا...
      • الإسلاميون أم الصهاينة يحكمون أوروبا؟ - جمانة حداد
      • قال «السيد»: أينما كان وقال السنيورة: (...) - نصري...
      • ◘ نساء «داعش» في الواجهة - الياس حرفوش
    • ◄  يناير (48)
  • ◄  2014 (1160)
    • ◄  ديسمبر (69)
    • ◄  نوفمبر (57)
    • ◄  أكتوبر (32)
    • ◄  سبتمبر (73)
    • ◄  أغسطس (106)
    • ◄  يوليو (87)
    • ◄  يونيو (120)
    • ◄  مايو (107)
    • ◄  أبريل (108)
    • ◄  مارس (97)
    • ◄  فبراير (106)
    • ◄  يناير (198)
  • ◄  2013 (2319)
    • ◄  ديسمبر (375)
    • ◄  نوفمبر (350)
    • ◄  أكتوبر (426)
    • ◄  سبتمبر (312)
    • ◄  أغسطس (312)
    • ◄  يوليو (375)
    • ◄  يونيو (100)
    • ◄  مايو (28)
    • ◄  أبريل (19)
    • ◄  مارس (6)
    • ◄  فبراير (11)
    • ◄  يناير (5)
  • ◄  2012 (41)
    • ◄  ديسمبر (41)

من أنا

Unknown
عرض الملف الشخصي الكامل الخاص بي
المظهر: بسيط. يتم التشغيل بواسطة Blogger.