بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

الورطة! - حسين شبكشي

يسقط الليبرالي العربي بامتياز في أول «فخ» طائفي يواجهه في حصيلة التصدي للمواقف السياسية المختلفة التي يواجهها. فالفكر الليبرالي المنادي بالحريات والمساواة والعدالة والتسامح سرعان ما يغوص في أوحال العنصرية المناطقية تارة، وتارة أخرى في مستنقع الفكر الطائفي الأحادي مهما ادعى «ميلا» و«قناعة» بالمساواة والسوية والعدالة، ومنح الحق الكامل بالفرصة الكاملة للكل، ليكتشف من يناقشه أنه مجرد شعار مرفوع لا أكثر.
في منطقة الشرق الأوسط انتشرت مجاميع مختلفة كل منها يرفع شعارا وعلما ويدعي أنه «الوكيل الحصري» للدين في هذه البقعة من العالم، بل على كوكب الأرض نفسه، وكل مجموعة منهم سرعان ما توثق موقعها بالآراء والفتاوى والكتب لتبيان أنها على حق، ولا تمانع أبدا في «اللجوء» إلى «أي وسيلة» لإثبات ذلك، سواء أكان التلفزيون أو الانتخابات. هذا النوع من الفكر الإقصائي موجود لدى الطائفتين الرئيسيتين من المسلمين، شيعة وسنة، فإعادة صياغة العبارات والمراوغة في أساليب الطرح يتفوقون فيها على نيكولا ميكافيلي نفسه صاحب الكتاب السياسي الأشهر «الأمير»، الذي قال فيه العبارة الشهيرة جدا «الغاية تبرر الوسيلة»، كل في سعيه الدؤوب نحو أحلام «الخلافة» أو «الإمامة» أو «الولاية»، وبعدها تسحق الحريات والعدالة والمساواة والتسامح، ليظهر منطق الإقصاء للآخر، والتكفير الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفكري بكل أشكاله وأساليبه.
المشكلة في شعار أن الدين هو أساس الحكم هي: أي «نسخة» من المفهوم التطبيقي لهذه الفكرة؟.. فالتواصل الحاد جدا والعنيف جدا بين الأطياف والمذاهب والطوائف المختلفة يجعل هذه الفكرة أشبه بالمهمة المستحيلة، ولعل المشهد السوري فيه دلالة واضحة على ذلك، خصوصا في ظل الصراع الواضح بين الطوائف والجماعات الإسلامية المتشددة منها أو الجماعات المدعية الليبرالية، فالمجموعة الأولى تدعي أنها على حق وتقاتل باسم الخالق ولا بد لها من «تصفية» من يخالفها، لأنه على ضلالة وكافر (وهناك نقطة مهمة ينبغي أن توضح ألا وهي أن التكفير موجود على الضفتين شيعة وسنة).
وتأتي في المجموعة الثانية الجماعات النخبوية المثقفة التي تدعي ليلا ونهارا أنها ضد القتل وضد السلاح وضد الجمع بين السلاح والدين والسياسة، لكنها ترفض إدانة كل الجماعات المسلحة الإرهابية التكفيرية المجرمة التي تقاتل في سوريا بغض النظر عن انتمائها الطائفي. فبحسب المنطق «النصرة» و«حزب الله» و«القاعدة» و«داعش» و«فيلق بدر» و«جيش المهدي» والحرس الثوري الإيراني كلهم جميعا سواسية، لكن الطائفية تعمي عين العدل والمساواة عن صاحبها، وهذا الذي يفضح أمر وقناعة «الليبرالي» التي تسقط فورا في فخ الطائفية البغيضة، ويسقط قناع الثقافة والفن والأدب والحوار والعدل والمساواة، ورأينا هذا المشهد من قامات كبيرة في العالم العربي، كانوا محسوبين على أرتال الدين وعلى أرتال الفن وعلى أرتال الأدب وعلى أرتال الثقافة، وسقطوا سقوطا مدويا في اختبار التسامح والليبرالية تماما كما سقطت من قبلهم جماعات الدين السياسي بكل أشكالها.
المشهد المضطرب في الشرق الأوسط له جذوره، ولا بد من العلاج الحكيم الصحيح للفصل بين الطائفة والدين والمذهب والسياسة، حتى يتمكن الناس من الفصل بين المفهوم وتغليب مفهوم العدل المجرد المبني على فكرة المساواة، ومنع إراقة الدم باسم أي دين وأي مذهب وأي طائفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق