بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 فبراير 2015

كيف قُرئت رسالة {داعش}؟ -عادل حمود

لإحراق "داعش" للطيار الأردني معاذ الكساسبة، وتصوير جريمة الحرق وبث الشريط الوحشي على مواقع صديقة للإرهاب، دلالة ومضمون قرأهما البعض بطريقة مختلفة عن البعض الآخر، لكن تلك القراءات كشفت عن الميول والرؤى المتعلقة بهذا التنظيم الارهابي وأفعاله.
ولعل أكثر الناس اتصالا بالحالة الداعشية وتواجدها والأفعال التي تقترفها، هم رجال الدين - باعتبار "داعش" تنظيما يدعي العمل لإقامة دولة إسلامية - والسياسيون لأن التنظيم يتحدى حكومات ودولا مختلفة في العالم، فضلا عن الصلة المباشرة لهذه الحالة بعموم البشر في كل البلاد.
وقد كانت هنالك تصريحات وردود أفعال مثيرة للاستغراب والحيرة، لكنها كاشفة لعمق التخبط الفكري الذي يعيشه بعض من يدعون أنهم رجال دين، وأي دين؟ دين الإسلام الحنيف.
ففي تصريح لوكالة (سي ان ان) الإخبارية، قال رجل يسمى علي القره داغي – وهو يرأس اتحادا يتنكر بثياب الإسلام هو (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ويدين بالولاء لسيد الإرهاب، القرضاوي - عبارة عجز الدماغ عن الوصول الى مغزاها ولم يستطع الذكاء فهمها وفهم فكر قائلها!!.
يقول تقرير الـ (سي ان ان)، أن القره داغي قد علق بالقول:" داعش قتلت الرهينة الياباني البوذي ذبحا وقتلت الأسير الأردني المسلم حرقا.. هم أقسى واشد على المسلمين من قسوتهم على غير المسلمين!"
الجاذب للانتباه في تصريح هذا العالم الجليل!، انه صنّف البشر الممتحنين بمحنة الإرهاب حسب دياناتهم موحيا بأن المنتمي لدين غير الإسلام يستحق أن يتم إرهابه أكثر من غيره، فتراه يشير الى الياباني بأنه بوذي والى الأردني بأنه مسلم. ولم يكتف بهذا فقط، بل اعتبر البوذي المحتجز من قبل "داعش"، رهينة بينما المسلم المحتجز لديهم أسير!!.
وبنفس العقلية غير المفهومة، يرى ان الذبح هو فعل اقل قسوة من الحرق، وأن حرق الكساسبة فيه قسوة على المسلمين أكثر من القسوة التي في ذبح الياباني على البوذيين. ولم يكلف نفسه عناء إدانة الفعل من أساسه لكونه لا يمت للدين بشيء.
لا اعلم كيف وصل هذا الرجل إلى الإسلام؟ وكيف أصبح رئيسا لاتحاد عالمي لعلماء المسلمين؟ وكيف اقتنع رجال يصنفون على انهم علماء في الدين أن يرأسهم هذا القره داغي؟
ولا افهم هل ان حدود العلم بالدين عند مثل هذا الرجل، هي تصنيف الإرهاب المناسب لكل طائفة ودين؟ وهل أن حالتي القتل بالذبح والحرق، هما أمران مبرران والنقاش الوحيد حولهما هو ايهما اشد
قسوة؟.
ما يريح في القراءة الدينية الإسلامية للرسالة التي بعثها الشريط المصور، هو وجود إسلام حقيقي يفهم علماؤه معنى الدين والرسالة السماوية ويتعاملون مع الجرم الإرهابي بمستوى من الإدانة يشير إلى إن الإسلام هو دين إنساني كبير.
فهذا شيخ الأزهر احمد الطيب يعبر عن صدمته بشأن ما وصفه بـ"العمل الإرهابي الخسيس"، ويؤكد على ان "الإسلام حرم قتل النفس البشرية البريئة". 
لقد اشر الطيب على منطقة الوجع وهي الخسة في التصرف وتفسير الدين وارتكاب الفظائع تحت يافطته، وبيّن أن الإسلام دين لا يؤمن في جوهره بقتل الأنفس البشرية البريئة مهما كانت توجهاتها الدينية والفكرية.
في الجانب السياسي، كان أكثر المتضررين من الإرهاب هو أول المنددين بهذا الفعل البربري، فالمواقع الإخبارية العراقية، تناقلت على لسان رأس الحكومة العراقية السيد حيدر العبادي استنكار العراق لمقتل الكساسبة. وفي انعكاس واضح وجلي لمدى تأثر العراق القوي بمقتل طيار كان يساعد في رد الشر الداعشي عن بلادنا، دعا رئيس الوزراء العبادي التحالف الدولي الى توجيه ضربات قاسية ضد هذا التنظيم.
ولعل كلمة " قاسية" فيها دعوة الى زيادة الطلعات الجوية وتكثيفها وربما التزود بالمزيد من الأسلحة المؤثرة والفاعلة وحشد المزيد من الحلفاء في هذه الحرب المقدسة إنسانيا.
وعبر الرئيس الأميركي في رد فعله على عملية الحرق، عن فهم عميق للعقلية التي يتصرف وفقها الإرهاب، وهو الفهم الذي يبرر للشعوب العالمية جدوى انخراط قواتها المسلحة في الجهد الدولي لمحاربة "داعش" على ارض العراق، فقد احتوى تصريح اوباما كلمات مقتضبة، لكنها أصابت الهدف مباشرة، فقال:" إن التسجيل المصور هو مؤشر آخر على شراسة ووحشية داعش الذي لا يهمه سوى الموت والدمار".
لقد احتوى كلام السيد اوباما على مقدار كبير من المصداقية، فـ"داعش" هو التجسيد الحي للشراسة والوحشية في التعامل وهو الجانب السيئ من البشرية الذي لا يرى طريقا لبقائه غير الموت والدمار.
وعلى الصعيد المحلي الأردني، وجد الأردنيون أنفسهم وقد تكاتفوا لا إراديا، إزاء حالة الصدمة التي ولدتها استهانة التنظيم الإرهابي بحياة مواطن أردني وأحد ممثلي القوات المسلحة للمملكة، وتلاعبه بمشاعر مواطنيه واستغلال حرص حكومته على حياة ابنها من اجل تمرير مطالب شيطانية بإطلاق سراح قتلة تمرغوا بالدماء العراقية والأردنية. 
وشعر الأردنيون اكثر بخطر الإرهاب والتغاضي عن المؤيدين له في الشارع، سواء كانوا من المنظمات او الافراد الذين استغلوا مناخ الحرية الذي أشاعه الملك والحكومة الأردنيان، لدعم التوجهات المتشددة والممتهنة للإرهاب.
هذا التكاتف إزاء الصدمة والشعور بالخطر، عبّر عنه خالد الضمور رئيس ملتقى الكرك للفعاليات الشعبية حين قال انه على الشعب الأردني " الوقوف صفا واحدا في مواجهة التنظيم الإرهابي وعدم التهاون مع كل من يدعي الولاء له".
وبغض النظر عن طريقة فهم رسالة النار الداعشية، فإن الرسائل التي أرسلت بالمقابل كانت نارية أكثر في كشفها لمؤيدي "داعش" والداعمين له، وفي إفصاحها عن مدى الفهم الدولي المتنامي على صعيد الحكومات والشعوب لكل الوحشية التي يمتاز بها هذا التنظيم والكيفية التي لا بد من مواجهته بها. 
وأكدت هذه الرسائل استيقاظ الأمم واحدة تلو الأخرى من سبات النأي بالنفس عن الانخراط بقوة في الصراع الحضاري والإنساني الأشد ضراوة منذ بدء الخليقة ضد ارهاب "داعش"، ومنحت (بلاد النشامى) المبرر والدافع للوقوف بحزم مع أشقائهم العراقيين في معركتهم المصيرية.
كاتب عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق