بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 فبراير 2015

◘ حصاران؟ - فجر يعقوب

لحلقات التي يظهر فيها الإعلامي المصري أحمد موسى على قناة «صدى البلد»، تشير الى أن المسؤوليات التي يتنطح لها ثقيلة عليه، وليس بوسعه تحمّل نتائجها. لكن ما يفعله الإعلام المعاصر، من خلال إطلالة شخص متحذلق اليوم لتهييج رأي عام، كان يحتاج الى مجهود العشرات أو المئات من الأشخاص إن لم نقل الألوف، قبل انفجار الوفرة الاتصالية الإعلامية بهذا الشكل المحموم، ما قد يجر الى الجزم بمفعول شخصيات كهذه.
يطلّ موسى أخيراً متمنياً على الطائرات الحربية المصرية، التي أغارت على مواقع تنظيم «داعش» الإرهابي في مدينة درنة الليبية، لو أنها أغارت في طريق عودتها على مواقع «أم حماس» الأرهابية، من دون أن ينسى تأكيداته الهزلية أن هذا مطلب شعبي مصري. يمكن قراءة حديثه من زوايا عدة قبل التعليق عليه. ليس هو بالطبع من نخبة الإعلاميين المصريين الأحرار، الذين لا يرضون بالتأكيد، بهذه الخفة الإعلامية في تحميل قطاع غزة عواقب الخلافات السياسية والأمنية مع القيادة المصرية حول أمور عالقة بين الطرفين، وهي تهدّد النسيج الاجتماعي والأهلي للغزاويين بالدرجة الأولى جراء الحصار المفروض عليهم وعلى أدق تفاصيل حياتهم، وهو حصار بوجهين: داخلي وخارجي. اليوم تجيء كلمات موسى لتزيد من شراسة الحصار الخارجي، في الوقت الذي يتداعى فيه فلسطينيون الى التخفيف من وطأة الحصار الداخلي، الذي صار ينذر بالتفجر والتشظي والاندحار في أكثر بقاع الأرض المأهولة بالسكان. ليس أحمد موسى شخصية إعلامية وازنة في عالم الإعلام المصري المعاصر. بالتأكيد، لا يقبل عقلاء أم الدنيا أن يكون هو خير ممثل لهم، لكنّ الجميع صار يدرك أنه بمجرد ظهوره على فضائية وتفوّهه بعبارات من هذا النوع، ستقوم مواقع التواصل الاجتماعي الموازية تلقائياً، بإعادة تدوير برنامجه في سلة الألوف الذين سيتلقفونه ويعيدون إحياء الدعوة بقصف غزة من دون رحمة.
برامج ومقتنيات إعلامية من هذا النوع، يمكن تشبيه القائمين عليها بذلك الضفدع المسكين الذي يخضع لتجربة الماء الحار، فيقفز مذعوراً، لأن جسده لم يعتد الحرارة العالية في بادئ الأمر. لكنّ مواصلة التجريب، ستعطي بالتأكيد نتائج عكسية، إذ يكفي وضعه في ماء فاتر حتى يرتخي ويشعر بمتعة خالصة، ومع زيادة غير ملحوظة في درجات الحرارة، فإن هذا يكفل سلقه بسعادة منقطعة النظير.
بعض الإعلاميين يغرق في المياه الحارة تدريجياً، وهو يعيش مشاعر متناقضة مخلوطة بسعادة فيها ارتياب وتهكّم، كما يفعل أحمد موسى وغيره. تكفي مراقبته في الدقائق القليلة المتبقية له من عمر برنامجه التلفزيوني، وهو يغرق بسعادة شخصية حين يجيء على ذكر دكّ مواقع «أم حماس» الإرهابية، حتى تتأكد نظرية السلق بالتدريج، وهي تطاول إعلاميين من هذا النوع، وتطاول بمقدار أكبر أهل غزة الذين يعانون حتى اللحظة من هول حصارين: الداخل والخارج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق