بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 يناير 2014

ما كانت الحسناء... الفضل شلق

ترفع سترها... لو أن في هذي الجموع رجالا.
ليس مهماً أصل بيت الشعر هذا، ولا المناسبة التي قيل فيها. الأهم هو تعبير الجموع، أي الجماهير، التي تشكل مجتمعنا. هل صار مجتمعنا أكثر قبحاً من طبقته السياسية بالتشنج الطائفي والمذهبي والرغبة بمواجهة الآخر؟ هل صارت التعبئة المذهبية أو الطائفية أقوى مما تستطيع الطبقة السياسية
كبحه؟ وهل أفلت الأمر من أيدي جميع الزعامات، كما من أيدي الاتباع؟ هل صارت الطائفية والمذهبية أقوى من النظام اللبناني؟ يحق لنا التساؤل لأن المضمر عند كل طائفة ومذهب، المسكوت عنه أدباً ولياقة، خرج إلى العلانية لدى الأطراف، وأتباع القيادات، بكل وقاحة. فقدنا ملكة التهذيب. حتى في أحلك ظروف الحرب الأهلية الماضية، برغم التقتيل والتدمير الهائلين، ما خرجنا على الاتيكيت الطائفي، وما بلغنا الكلام الذي نقوله الآن.
يقول المثل: تربي الوحش فيأكلك. الضخ الطائفي والمذهبي في لبنان تجاوز الحدود. الأجواء مسمومة لا بفعل ما يقوله القادة وحسب، بل وبسبب ما يقوله عامة الناس أيضاً، بإرادة القادة. يعتبر القادة انهم مستفيدون من قلة الحياء هذه. والأمر يتجاوز القتل على الهوية والقصف من بعيد كما في الحرب السابقة. القتل الآن عشوائي: المهم ان تفجر نفسك بمن يفترض ان يكونوا أعداءك، لا باستهداف زعيم أو مكتب سياسي، بل باستهداف قتل أكبر عدد من الناس.
التفجيرات المتبادلة متوازية تقريباً. يصنفون بين ما هو قتل سياسي وقتل إرهابي، كأن التصنيف يلغي حقيقة ان هذا القتل كله بغير حق. قتل يستهدف الناس في الشارع أكثر مما يستهدف تجمعاً بشرياً ذا رمزية سياسية. البعض من القتلى يصنفون شهداء، والبعض مجرد قتلى. البعض في الجنة والبعض في النار. بعضهم قتل برصاص سياسي وبعضهم قتل برصاص الغدر. كأن الغدر لا يسري على الجميع. وكأن الذي يموت من غير قصد غير المقتول شهيداً. الله في السماء يقرر من في الجنة ومن في النار. لكننا نقرر على الأرض مستبقين حكم السماء؛ نقرر مَن نصيبه الجنة ومَن نصيبه النار. تشنجات دينية تحوّل أصحابها إلى أصوليين، وهؤلاء يملون الأحكام على الذات الإلهية.
يصف البعض ما يجري في لبنان بأنه «لعبة أمم» (اسم كتاب أميركي شهير صدر في الستينيات حول تلاعب الدول الكبرى بالصغرى لإحداث الفوضى والانقلابات). الوضع عندنا الآن هو لعبة طوائف لا من أجل إحداث انقلاب، هو غير ممكن أصلاً، بل من أجل تحقيق قتل عشوائي لا يحقق انتصارات سياسية. لدى كل فريق عدد من الأوباش يأخذهم الاندهاش الديني (الطائفي) إلى اختلاق مذاهب جديدة أو أحكام دينية لا أساس لها لتبرير الجرائم. حتى المكتبات صارت تُحرق بعد استباحة دماء أصحابها. الأوباش لا يتعلمون في الكتب والمدارس. يكتفون بالعلم شفاهة وفي مدرسة الحياة، بسبب البطالة، ويتحكمون بالمدينة. نلقي اللوم على الغير (حرب الغير على أرض لبنان، لتبرير الحرب الأهلية السابقة) ونتهم الوافدة من الريف إلى المدينة لجعل المدينة براء من العنف؛ هذا بينما المدينة تحترق.
لا نتعلم من التاريخ. والدرس الوحيد الذي تعلمناه من التاريخ هو اننا لا نتعلم من التاريخ. لا نراكم العبر. الحياة صعبة بتكاثر البطالة والهجرة، بحيث صار التعلم صعباً. المجتمع ينفرط عقده، بحيث صارت القيادة السياسية مستحيلة. التحريض دائم وترتفع وتيرته بحيث صار الانهيار وشيكاً. يزداد اعتماد اللبنانيين على الخارج من أجل الحلول بحيث صار الطريق مسدوداً أمام أي حل. والأفق المسدود يزيد الحالة توتراً ويأساً.
سلسلة أخطاء يرتكبها القادة (الطبقة السياسية) وكل خطأ منها يتعدى الجريمة. ما يسمى الاعتدال لدى السياسيين هو اعتدال يعبر عن موقف سياسي يجر إلى مزيد من التشنجات. الذين يقولون منا بالتسوية عددهم قليل، وهؤلاء اما أن يدانوا من طوائفهم، أو يعزلون في عالم النسيان؛ وربما صادفهم مصير أسود في المستقبل. تحقيق صفاء المدينة المذهبي لا يتحقق إلا بالتخلص من هؤلاء المختلفين في الدين والمذهب والرأي. وكأن صفاء المدينة أو الطائفة مزية لا مثلبة.
ميزة التنوع المذهبي والطائفي في لبنان يمكن ان تكون مصدر غنى ثقافي، لكن هذه الميزة صارت عبئاً على البلد، بعد ان فاق الناس قادتهم في التوتر الطائفي والمذهبي.
الحل الذي يطلبه اللبنانيون من المثقفين ورواد المقاهي هو بيد رجال السياسة. تتحمل الطبقة السياسية مسؤولية ما يجري. طريق التسوية معروفة لديها؛ وإذا لم تكن معروفة فالمصيبة أكبر.
وعندما ينتجون الحل محلياً، أي في ما بينهم، فإنه ما من قوة خارجية تستطيع التلاعب بالبلد. عندها لن تتحول لعبة الأمم إلى لعبة طائفية.

المهم ان يستعيد أهل السياسة رجولتهم ويلجوا باب الحلول المحلية الداخلية. والمعذرة من النساء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق