بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 ديسمبر 2013

دلالات وتداعيات التفجيرات الأخيرة في مصر - بهيج سكاكيني

التفجير الأخير الذي استهدف مديرية الامن في مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية بسيارة مفخخة والذي ذهب ضحيته 17 شهيدا لغاية الان وأكثر من مئة جريح، جراح بعضهم خطيرة وحرجة، يأتي ضمن عملية التصعيد من قبل المجموعات الإرهابية العاملة في مصر وذلك في محاولة لزعزعة الامن وضرب الاستقرار في الداخل
المصري، والتي بدأت تأخذ طابعا عنفيا علنيا منذ فض الاعتصامات في ميدان رابعة والنهضة لتنظيم الاخوان المسلمين بالقوة من قبل السلطات الأمنية والعسكرية المصرية. وبالرغم من اعلان جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عن التفجير الإرهابي وهي مجموعة تنتمي الى القاعدة والتي انحصرت نشاطاتها لفترة خلت في صحراء سيناء، فان حركة الاخوان المسلمين وعلى لسان عضو أمانة الاتصال السياسي السيد إبراهيم السيد تنفي وجود مثل هذه الجماعة وتزعم انها من اختراع النظام المصري. وهذا ما يشبه ما جاء في جريدة المستقبل اللبنانية في صفحتها الأولى وبالخط العريض "داعش الأسدية" في لبنان. وفيما اذا كان هنالك تناغما ما بين التصريحين ندعه للقارىء للحكم على ذلك. أول ما يسترعي الانتباه هو طبيعة الهجوم الانتحاري بالسيارة المفخخة وحجم الاضرار البشرية والمادية الناتجة عن هذا التفجير، مما يشكل نقلة نوعية في مستوى التصعيد الإرهابي الذي بدأ بضرب الداخل المصري والامتداد الجغرافي لعمليات العنف المبرمج. فإلى جانب الاحتجاجات "السلمية" من مظاهرات في الشوارع ومحاولات تعطيل الدراسة في بعض الجامعات مثل جامعة الازهر من قبل الاخوان المسلمين، تأتي هذه العمليات الدموية لنشر مزيد من الرعب لدى السكان الأمنيين وتعميق الازمة الداخلية المصرية سواء على النطاق الأمني أو السياسي، كما تهدف بالمجمل خلق حالة من عدم الاستقرار والفلتان لدفع البلاد الى حافة الهاوية واضفاء صبغة الدولة الفاشلة على الدولة المصرية. ولا شك أن مثل هذه الأوضاع ستزيد من التعقيدات في المشهد المصري وزيادة تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلا. اما النقطة الثانية ذات الأهمية المرتبطة بهذا الحادث هو المكان المستهدف من حيث الرمزية التي يمثلها. والذي يبدو ان الجهة المخططة لهذه العملية أرادت أن تبعث برسالة واضحة لسلطات الامن المصرية، لا بل ولمقر أساسي من المقرات التي تدير الحرب على الارهاب في الداخل المصري، من اننا قادرون على ضربكم في عقر داركم وأن يدنا ستنالكم. وهذا يطرح تساؤلا كبيرا كيف استطاع منفذ هذه العملية الى الوصول الى هذه النقطة التي من المفترض أن تكون تحت الحراسة المشددة لمنع أي شخص من الاقتراب من مديرية الامن فما بالك بالدخول بسيارة مفخخة. ان دل هذا على شيء فإنما يدل على اختراق أمني خطير للأجهزة الأمنية، وربما ما يؤكد هذا أو على الأقل يلقي شكوكا جدية بهذا الاطار هو تواجد العديد من ضباط الامن الذين قدموا للاجتماع في الوقت التي فجرت بها السيارة، بمعنى أن الهدف كان تصفية عدد كبير من الضباط الأمنيين. وقد ذكر ان بعض الضباط قد تغيبوا عن الاجتماع مما يزيد من اثارة الشكوك حول الاختراق الأمني. اما النقطة الثالثة التي نود ان ننوه اليها هنا هي الخاصة بتوقيت العملية، اذ انها تأتي ضمن فترة يتم فيها الاعداد للإجراءات الخاصة والمتعلقة بالتصويت على الدستور وذلك في 22 يناير القادم. ومن هذا المنطلق يمكن رؤية ان العملية تأتي ضمن المخططات التي تهدف لتعطيل عملية التصويت ووضع العراقيل أمام اجراءها من خلال بث الرعب عند المواطنين بمثل هكذا عمليات الذي قد يجعل البعض يحجم من الذهاب الى صناديق الاقتراع عند اجراء التصويت. ولكن يمكن القول بأن مثل هذه العمليات قد تنهض الشعب بشكل عام لتحدي هذا الإرهاب والتصميم على التصويت للاستفتاء على الدستور والبدء في تطبيق خارطة الطريق للعودة الى حالة من الاستقرار والأمان. اما النقطة الرابعة، فمما لا شك فيه ان تزايد العمليات الإرهابية وامتدادها على الجغرافية المصرية يهدف فيما يهدفه الى جر الأجهزة الأمنية والجيش المصري الى صراعات جانبية تستنزف من خلالها القدرات والطاقات العسكرية المصرية ضمن المخطط الاوسع والاشمل للمنطقة ككل الهادف لتدمير القدرات العسكرية العربية أو ما تبقى منها والتي من الممكن أن تشكل في يوما من الأيام خطرا ولو بالحد الأدنى للكيان الصهيوني، وامامنا الامثلة الواضحة في سوريا والعراق حيث يستنزف الكثير من طاقات جيوشها في محاربة الإرهاب المحلي والمستورد من الخارج، على مدار الساعة. النقطة الخامسة بها الشأن متعلقة بحركة الاخوان المسلمين. على الرغم من ادانة الحركة لعملية التفجير، فان الغضب الشعبي قد انصب على الاخوان فكثيرون ما زالوا يربطون بين تصريحات البلتاجي في ميدان رابعة حول العمليات الإرهابية في سيناء آنذاك بأنها ستستمر لحين عودة الرئيس المعزول مرسي الى الحكم. بالإضافة الى ذلك فقد انتشرت التعليقات على مجزرة الدقهلية على شبكات التواصل الاجتماعي الفيس بوك الاخوانية من أن هذه التفجيرات هي بمثابة هدية لعزل الرئيس مرسي وأن هذه الانفجارات ستستمر لحين عودة الرئيس المعزول مرسي. وهذا مما يزيد عملية الربط بين الاخوان والإرهابيين في اذهان الجماهير المصرية سواء عن حق أو بغير حق. وقد تؤدي الحال الى امرين هامين في هذا الموضوع أولهما: هو انفضاض العديد من مؤيدي الاخوان الذين هم ليسوا بالضرورة أعضاء في التنظيم الى جانب احتمال التصدع والانشقاقات داخل التنظيم والذي بدأت تلوح ظواهره وخاصة مع تطور احداث العنف. فمن الضروري عدم رؤية التنظيم كجسم احادي أو متجانس، فهو كغيره من التنظيمات يحوي على تباين في الآراء والمواقف والتي بالعادة تظهر على العلن أمام المنعطفات التاريخية والمصيرية. أما الثاني: فقد يؤدي انتشار وتمدد مثل هذه العمليات لتولد قناعة عند معظم الناس أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي قد تضمن أمن المواطن وهي المؤسسة الوحيدة التي ستحافظ على البلد ووحدة أراضيه وخاصة ضمن المنعطف التاريخي والظروف الأمنية التي تمر بها مصر حاليا. وهذا قد يفسر الدعوات التي بدأت تظهر في الشارع المصري والتي تنادي بضرورة ترشح وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي الى منصب الرئاسة، فحالة القلق الشديد التي تنتاب الشارع المصري لما قد يحدث اذا ما انفلتت الأمور تجعله يتشبث بشخصية السيسي ، وخاصة عند النظر الى ما حدث ويحدث في سوريا والعراق. والسؤل الذي ربما يدور في أذهان الكثيرون هل سيعود الجيش الى السلطة من هذه البوابة؟ من المؤكد ان هذا سيكون مرهونا كيف ستتطور الأمور في المستقبل القريب. وأخيرا نود أن نؤكد على أن الإرهاب التكفيري الدموي قد انتشر في أغلب بلداننا العربية لان هنالك دول تنتجه وتموله وترعاه وتستخدمه في تحقيق أغراض ذاتية ومن منظور سياسي ضيق الافق. ان التمدد الجغرافي لهذا الإرهاب سواء المحلي أو المستورد نراه متوحدا في أجندته ويناصر بعضه بعضا ويتنقل في ربوع وطننا العربي مخترقا الحدود لهذا الغرض، وبالتالي فان مواجهة خطر تمدد هذا السرطان والقضاء عليه واستئصاله يتطلب بالدرجة الأولى تحالفا وعلاقات استراتيجية وليس الوقوف عند حدود التنسيق الأمني الثنائي فقط. لقد بات من الضروري أن تبادر على الأقل كل من العراق وسوريا ومصر بالتحديد لتشكيل النواة الصلبة في محاربة الإرهاب في المنطقة، وفتح الباب أمام دول أخرى ان كانت جادة في مكافحة الإرهاب، بالإضافة الى العمل على تجفيف منابع تمويله إقليميا ودوليا وهذا يتطلب ربما التصادم مع وفضح الجهات الراعية والممولة له فلم يعد الامر يحتمل أكثر من هذا، وأخيرا ان القضاء على هذا الوباء يتطلب تبني الخيارات الديمقراطية الحقة والعمل على إعادة النظر في البنية التعليمية والتربوية لدولنا فالمجابهة الفكرية والثقافية للفكر الظلامي والتكفيري هو جزء لا يتجزأ وربما الاهم في مكافحة الإرهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق