بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

في طهران: الإنسان جوهر الأديان- فيرا يمين

لا خوفاً من الاندثار ولا طمعاً بالاستئثار بل حبّاً بالإنسان. ومن هذا الهمّ بحثت عن ذاتي الإنسانية خلال زيارتي منذ سنتين إلى إيران. ففي طهران لفتني، كما راقني، شوارع مسماة باسم شهداء
مسيحيين، كما بعض لافتات المحال التجارية، ولكنني لم أرتوِ إلى أن زرت أصفهان، هذه المدينة المستلقية على ضفاف التاريخ، الجميلة بكبرياء وخفر، جسور وقناطر، مساجد وكنائس، وفي الدير الأثري القابع وسط المدينة ــ ونحن ندخله برهبة ــ دقّ الجرس إيذاناً بموعد القداس، فالكنيسة تعلوها قبّة يتوسطها جرس، كما لو انه من أجراس «بيت شباب». معدَنُه صلب ودقاته تجعل القلب يدقّ.
 وإذا بالمؤمنين الأرمن المسيحيين يصلون ويختلطون بالسياح ويتشكّل مشهد بين الحاجّات والراهبات. وفي الداخل جداريات الكنيسة لا تزال ألوانها تنبض حياة وترشح ضوءاً، «فالدولة حريصة على صيانة دائمة من خبراء أوروبيين وبصورة دورية»، على ما أوضح لنا كاهن الدير. وإلى الجهة المقابلة متحف يضمّ كتباً، رسوماً، صلباناً، أناجيل ومقتنيات تاريخية للسادة المطارنة. وفي علبة زجاجية أصغر إنجيل في العالم، محفوظ من الضوء والهواء، ليبقى في الضوء ويمنح الهواء زمن التلوث وقطع الأنفاس.

ودليل لكل زائر راغب أو قرص مدمج تحمله معك «زوادة» معرفة عن تاريخ الدير، ونبذة عن المطارنة الذين تعاقبوا على خدمة الرعية. وفي الباحة الخارجية حلقات تعارف ــ في حال أسعفتنا لغة مشتركة. والإيراني المسيحي يحدثك بثقة كمواطن كامل الحقوق «فنحن عددياً بالكاد يحقّ لنا بنائب، ولنا في المجلس خمسة نواب» تقديراً للتنوع وتكريساً للمواطنة. ومعظم المسيحيين يعمل في التجارة ولا يفكّر أبداً بالهجرة «ولمَ نهاجر من دولة توفر لنا كل الضمانات ووطن يصون مواطنتنا؟»، على ما قاله لي جورج - ويُكتب بالفارسية زُرز - وهو صاحب متجر وسط طهران. وأضاف «لماذا نغامر مثلكم. نغامر لنهاجر ونحن الذين اختبرنا واكتوينا؟».

وعليه فإن أسئلة كثيرة بل تساؤلات ضجّت في رأسي ولمّا تزل، وربما اليوم أكثر من الأمس، حول ضرورة إماطة اللثام عن واقع إيجابي ولافت. وإذا كان الإعلام الإيراني مقصّراً، إلا أن المعنيين لا يدّخرون جهداً لتعبيد طريق أي راغب ببحث أو دراسة... وقد يكون هناك دراسات وكتب، ولكن المتابعة ضرورية لنشر الفكرة كواقعة لا حصرها بدراسة يُنفض عنها الغبار حين الحاجة.


الكلام بواقعية عن الحالة الإيرانية لا يعني أنها المثالية خصوصاً كمؤمن بالعلمانية، ولكن أن تنظر إليها من داخل أمرٌ مختلف تماماً عن نظرتك إليها من خارج، أكنت متعاطفاً أم مناهضاً. ففي جمهورية إسلامية تجد المسيحي كما اليهودي لا ينظر إلى نفسه كأقلية. يكفي أن تعترف بهذه الحالة الإنسانية، ما يكرّس أن الإنسان جوهر الأديان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق