بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

نجحت إسرائيل بتغيير الواقع في القدس لكنها لم تستطع أن تغير وعي العالم -ناحوم برنياع ‘يديعوت

في السابع من تموز 1948 في ذروة حرب الإستقلال توصلت إسرائيل والأردن بوساطة الأمم المتحدة إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في جبل المشارف، وقسّم الإتفاق الجبل ثلاثة أقسام: فالقسم الشمالي الذي شمل حرمالجامعة العبرية، ومستشفى
‘هداسا’ وقرية العيسوية، بقي تحت حكم إسرائيل، والقسم الجنوبي الذي اشتمل على مستشفى ‘اغوستا فيكتوريا’ بقي تحت حكم الأردن. وبقي شريط ضيق بين الطرفين أُعلن أرضا مشاعا، وأُعلن الجبل كله منطقة منزوعة السلاح لا يجوز دخول قوات الجيش إليها.
وأحرز الإتفاق بسرعة بين معركة وأخرى. ولم يستطع الطرفان الإتفاق على خريطة، فرسمت إسرائيل خريطة منها في اليوم الذي وقع عليه الاتفاق، ورسم الأردنيون خريطة منهم بعد ذلك بأسبوعين، فكانت الخريطة الإسرائيلية تمتد في مساحة أكبر من الخريطة الأردنية.
كان الفرض أن تتوصل الدولتان بعد أن تنتهي المعارك إلى اتفاق يخط خطا حدوديا منظما. ولم يخطر ببال أحد أن تكون التسوية نافذة الفعل 19 سنة. وبرغم أن الجيش الإسرائيلي احتل القدس كلها في 1967 ووحد جيب جبل المشارف مع إسرائيل، وبرغم أن الواقع على الأرض تغير تغيرا عجيبا منذ ذلك الحين، فما زالت مواد ذلك الإتفاق تطارد حكومة إسرائيل بعد أن وقع عليه بـ 65 سنة.
إن الأمر الآن هو أمر معاهد الجيش الإسرائيلي. إن معهد الأمن القومي ومسارات دراسة عسكرية أخرى تقع في معسكر غليلوت. ويفترض أن يُخلى المعسكر في نطاق الخطة الكبيرة بإخراج معسكرات الجيش الإسرائيلي من وسط البلاد وتخصيص أراضيها للبناء السكني. والمكان الطبيعي لمعاهد الجيش الإسرائيلي هو بالقرب من الجامعة ولا يوجد أصح ولا أكثر طبيعية من جعلها في عاصمة إسرائيل بجوار حرم الجامعة العبرية. وهذا جيد للجيش الإسرائيلي وللجامعة وللقدس أيضا.
تم العثور على أرض وأُعدت خطة وسُلمت للموافقة عليها في لجان التخطيط. وكان يفترض في آذار من هذا العام أن تُجيز اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء هذه الخطة. وقد حث غرشون هكوهين الذي كان لواء المعاهد منذ وقت قريب على تعجيل البناء بكل قوته.
لكن الأمر ليس سهلا كثيرا. فالأرض التي خُصصت للمعاهد موجودة في الزاوية الجنوبية الغربية في جبل المشارف فيما كان أرضا مشاعا حتى 1967. وعلى حسب الخريطة الإسرائيلية يقع في داخل مساحة الجيب ولهذا فإن حكمه كحكم الجامعة، فهو حلال تماما. وعلى حسب الخريطة الأردنية هو جزء من شرقي القدس الأردني. بعد حرب الأيام الستة فورا أُثيرت فكرة بناء دار المحكمة العليا في هذه الزاوية الجميلة المنظر. ورفض قضاة العليا، فقد فضلوا البقاء في غربي المدينة لأسباب سياسية أو عملية.
إن ما كانت تستطيع إسرائيل فعله في القدس في 1967 يصعب عليها أن تفعله في 2013. فقد لقيت خطة المعاهد في البداية معارضة الكنائس التي زعمت أن الهجوم العسكري بالقرب من جبل الزيتون يضر بقدسية الجبل، وبعد ذلك جاء قادة الجيوش الأجنبية. فقد بيّن الأمريكيون أنه إذا انتقل معهد الأمن القومي إلى الأرض التي خُصصت له فلن يستطيعوا أن يرسلوا إليه دارسين، وأضاف الملحقون العسكريون الأوروبيون تهديدات منهم.
‘وخشوا في الحكومة من عناوين صحفية تتحدث عن موافقة على بناء جديد في شرقي القدس بحيث تُعرض إسرائيل مرة أخرى بأنها تشوش على التفاوض، ولم تتم الموافقة على الخطة إلى اليوم.
أُخمن أن نتنياهو يتذكر في حسد أسلافه من اليسار واليمين، الذين بنوا في شرقي القدس دون أن يفتح أحد في العالم فمه. وهو يقول محتجا: لماذا يُضيقون علي أنا خاصة. لماذا أنا.
والحقيقة أنه غير بريء من المسؤولية. فهو لم يستطع في ولايته الماضية أن يجدد التفاوض مع الفلسطينيين. وقد ساعد على القرار السيء على إنشاء جامعة في اريئيل سقطت مثل ثمرة ناضجة في أيدي الداعين إلى مقاطعة إسرائيل في أوروبا. وفي هذه الولاية وافق على الإفراج عن سجناء، لكنه ألصق بكل إفراج إعلان خطط بناء، وأضاف وزراؤه إلى اعلاناته إعلانات تفجيرية منهم.
كانت النتيجة ضغطا دوليا واستسلاما آخر الأمر. في قضية ‘هورايزون 2020
، وهي برنامج البحث العلمي للإتحاد الأوروبي، تلهى نتنياهو بضع ساعات بوهم أنه سيرفض أمر الأوروبيين وأدرك بعد ذلك أن يديه مقيدتان فاستسلم. وهذا ما يحدث أيضا لخطط بناء في شرقي القدس، فقد بلغ الضغط الآن حتى أطراف الحرم الجامعي في جبل المشارف.
وقد استسلم لكنه لا يستطيع أن يُبيح لنفسه الإعتراف بأنه استسلم.
فهذا لا يناسب صورته ولا يناسب أهواء الناخبين. وحينما يسألون في ديوان رئيس الوزراء هل يوجد تغيير، يكون الجواب لا، لكن لا توجد موافقة ويتبين أن إسرائيل نجحت في الـ 46 سنة الماضية منذ كانت حرب الأيام الستة، في تغيير الواقع لا الوعي.
إن الخط الاخضر غير حي على الارض لكنه حي جدا في علاقات إسرائيل الخارجية وصورتها في العالم. وكلما عملوا على إبعاده إلى داخل الضفة رجع إلى الخلف، إلى قلب القدس. ليس نتنياهو هو الذي أوقد هذه النار، لكنه سكب هو ووزراؤه ويسكبون عليها وقودا كثيرا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق