بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 ديسمبر 2013

سياسيون يدافعون عــن قتــلتـهــم ! سالم مشكور

من أسوأ ما ورثناه من استبداد النظام السابق الذي طال عقودا، ان الناس تساوي بين الحاكم - شخصا كان أم جهة سياسية - والوطن باكلمه، فتضر بالوطن كله ظنّا منها أنها تضر بالحاكم. لا يأتي ذلك من فراغ، فالحاكم السابق كان اختزل الوطن بشخصه وأفراد عائلته، وبات من ينتقد الرئيس يعد خائنا للوطن، ومن يتمرّد على الحكم ولو كان ظالما، يقتل بتهمة الخيانة العظمى.

المشكلة أن الدمج بين الحاكم والوطن ترسخ في وعي الناس وظل حيّا في تفكيرهم حتى بعد زوال الدكتاتور وقيام حكم ينتخبه الشعب عبر صناديق الاقتراع. والمشكلة الاكبر أن هذا الامر لا يقتصر على الناس البسطاء بل يتعداهم ليشمل قطاعا واسعا من السياسيين والكتاب والمثقفين، فقد ذهب الحاكم - الوطن وحل محله الحاكم بالانتخاب لكن الوطن لا يزال – في لاوعي هؤلاء – مقترنا بالحاكم، وظلت العلاقة مع الحاكم والموقف منه هي المحدد للموقف من الوطن وأهله.
في نظام سياسي مفتوح يسعى نحو الديمقراطية، من حق الافراد والجماعات ان تحب الحاكم أو تكرهه، لكن ليس من حقها ان تكره الوطن وتضرّ به. الوطن ومصلحته واستقراره هو المعيار الذي يجب ان يحدد الموقف من سلوك الحاكم وخطواته، إن كانت تصب في المصلحة العامة وتخدم الوطن وجب الترحيب بها، أو على الاقل السكوت وعدم التشكيك بها، خصوصا عندما يتعلق الامر بخطر داهم يهدد الاستقرار والامن كخطر الارهاب الذي نواجهه متصاعدا منذ شهور.
عندما تشهد الامم الراقية جزءا بسيطا من هذه الظروف التي نمر بها، تتضافر جهود كل القوى السياسية بما فيها المعارضة والمختلفة مع القوى الحاكمة بشدة، لتدعم الاجراءات الحكومية المتخذة لحماية البلاد. الامن القومي لو اهتز قيد شعرة، سيكون مبررا لتعطيل الكثير من القوانين. ها هو ابن الديمقراطية البريطانية العريقة ديفيد كاميرون يقول: "لا تسألوني عن حقوق الإنسان عندما يتهدد الأمن القومي". وها هي الولايات المتحدة الديمقراطية تعطل قوانين تتعلق بحقوق الانسان ويصدر الرئيس قانونا يجيز للقوات الامنية اعتقال المشتبه بهم لمدد غير محدودة ما دام الامر يتعلق بالارهاب والامن القومي.
عندنا يختلف الامر. كلنا كنا نصرخ: أين هي إجراءات الحكومة لوقف نزيف الدم المتواصل في شوارعنا، بسيارات ثبت أن أغلبها يأتينا من الصحراء الغربية حيث تعشش القاعدة؟ وعندما بدأت القوات الامنية حملتها ضد المجموعات الارهابية، انطلقت التصريحات من هنا وهناك تشكك بالعمليات، بل وصل الامر بأحدهم ان يصفها بالإبادة الجماعية. لا أتحدث هنا عن سياسيين مصنفين على الحاضنة السياسية والجغرافية للارهاب، ولا عن معتوهين شاء حظ العراق العاثر أن يبتلي بهم وبتقلبات مواقفهم، إنما عن سياسيين لهم دورهم في مقارعة النظام الدكتاتوري السابق، ولهم اسهاماتهم في الاطاحة به والتأسيس للحكم الحالي، وهم ينتمون الى الجماعة التي تستهدفها المجموعات الارهابية بالتحديد.
من حق هؤلاء ان يختلفوا مع رئيس الوزراء ما شاؤوا، ومن حق اي منهم منافسته للحلول محله، لكن لا يمكنهم الدفاع عن مجرمين يقتلون أهلهم كل يوم وبالعشرات، لمجرد ان الحملة على هؤلاء تتم بأمر من المالكي وخوفا من ان يؤدي ذلك الى رفع رصيده الانتخابي.

برأيي ان هؤلاء تعوزهم الفطنة، لأن مواقفهم هذه ستعود عليهم سلبا في الشارع، الذي لا يمكن ان ينتخب من يدافعون عن قتلته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق