بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 ديسمبر 2013

اسرائيل في ظل العاصفة: دولة بلا قيادة يونتان يفين

هكذا تبدو دولة بلا قيادة: تُشل عاصفة ثلجية العاصمة الكبرى وتقطع عشرات آلاف السكان عن أكثر الحاجات أساسية وهي الطعام والنور والدفء وحرية التنقل. وتسقط عشرات آلاف الاشجار على أسلاك الكهرباء التي ما زالت لسبب ما تُزين شوارعنا بدل أن تُدفن في التراب برغم المليارات التي تُحول الى البنى التحتية بأنابيب تحت
الارض. ويجلس رئيس الوزراء بعد وقوع الامر في مؤتمر
صحفي يشبه جلسة لجنة بيت، ويسأل اسئلة محرجة غوغائية ومُسفة من المؤكد أنها ليست بقدر قومي بانورامي.لا معترض على اخلاص رجال الشرطة والجيش وشركة الكهرباء وسائر الابطال الذين عرضوا حياتهم للخطر اياما لا نوم فيها كي لا يصاب المواطنون. كل ذلك عظيم ويستحق المدح ردا بطوليا بعد وقوع الامر. لكنهم اعتمدوا مرة اخرى في الحقيقة على ثروتنا البشرية العارضة لا على تفكير جهازي سليم أو اجهزة رسمية سوّية. فمن حسن حظنا أننا كذلك، باختصار، بل قد تكون السلطة تعتمد على ذلك.
إن الأداء البطولي للعاملين في الميدان هو شهادة فقر بل شهادة ساطعة على وجود دولة بلا قيادة. فرئيس الوزراء يملك عددا وافرا من الوزارات والأذرع والميزانيات والسلطات المحلية المتهيئة كلها لأمره في كل وقت. توجد دول سوّية ينتقل فيها معيار الحكم الأعلى الى أسفل ولأن قادتها يعملون عملا مرهقا قبل أن تقع الكوارث يهتم أصغر رؤساء الاقسام بأن يكون كل شيء عنده ناجعا ومستعدا.
وتوجد دول اخرى يكون رئيس الوزراء فيها مشغولا بخطب وتخويف وبالبوظة والشمع الطيب الرائحة، وتفهم القيادة العليا الاشارة الخفية وتتجه الى استثارة عناوين صحفية بدل أن تعمل وتتابعها على ذلك الادارة الصغيرة وهكذا دواليك الى أن يبلغ الامر الى المواطن العادي الذي يجلس ويقول في نفسه اذا كان الجميع يفعلون ذلك فيبدو أنه لا مناص، فيجب علي أن أتخلى عن ترف كالاستقامة وأن أتبنى الحيلة.
وهكذا تحفظ المليارات تقنيات عمرها قرن (جهاز الاطفاء في كارثة الكرمل، والكهرباء في اسرائيل كلها)، وتقوي في الأساس رواتب سمينة لاحتكارات مخيفة. وهكذا يسمح المدير العام لشبكة الكهرباء لنفسه أن يستمتع في الخارج وقت الأحداث، وهكذا يتجه 200 من مهندسيها للاستجمام في ايلات برغم الانذارات الصريحة، وهكذا لا تُغلق الطريق الى القدس قبل العاصفة وأمثلة اخرى فاضحة. لأنه حينما لا يهم الامر أحدا في القصر فانه لا يهم أحدا ايضا في الحقول، وتبقى المسؤولية الشخصية من نصيب مغفلين أفراد.
ومع كل ذلك يوجد عندنا شعب نفخر به يترك في الازمات كل الخلاف ويهب للعمل. فالغرباء يعرضون أنفسهم للخطر واحدا لأجل الآخر ويفتحون بيوتهم لمن وقع سقفه عليه ويبذلون من جهدهم ومالهم للمحتاج الذي لا يعرفونه.
هذه هي أزماننا الجميلة التي نحب فيها أنفسنا حقا. وقد نكون مدمنين لهذه اللحظات في دولة يسودها تصور ‘سيكون الامر على ما يرام’ وليس فيها شيء على ما يرام، وينبع هذا التصور من أننا لا نريد أن نكون مستعدين ونحب خصوصا أن نعمل في الكوارث. نحن لا نتمناها والعياذ بالله لكننا مدمنون لـ ‘حب المساعدة’.

‘من السخرية أن هناك من قد يظن أننا نرفض الاستعداد قبل وقوع الامر كي يقولوا عنا فقط مرة اخرى إننا ‘أحسنا تأدية العمل’.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق