بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 ديسمبر 2013

تلاقي مصالح سعودي – إسرائيلي... لا أكثر - سركيس نعوم

لا يشك باحث أميركي مهم عمل طويلاً في ديبلوماسية بلاده في أن تلاقياً في المصالح بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية قد حصل بعد الاتفاق النووي الموقت الذي توصلت اليه قبل أسابيع المجموعة الدولية 5+1 مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. أول اشارة للتلاقي المشار اليه كانت مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
داعميه في الولايات المتحدة، أي اللوبي اليهودي
الأميركي، بالسعي مع أعضاء الكونغرس الأميركي بمجلسيه لمعارضة الاتفاق. وكانت أيضاً اتهام المسؤولين السعوديين الولايات المتحدة ببيع حلفائها في مقابلٍ أمني صغير.
هذا التلاقي يلفت الباحث المذكور دفع وسائل اعلام أميركية وغير أميركية الى القول أن اسرائيل والمملكة تنسِّقان استراتيجيتيهما لمواجهة الجمهورية الاسلامية. وبعضها رجّح أن تفتح الثانية مجالها الجوي للطيران الحربي الاسرائيلي في حال قرر نتنياهو توجيه ضربة عسكرية اليها. لكنه لفت الى أن ذلك لن يمنعها من انتقاد الضربة الاسرائيلية رسمياً. كما لفت في الوقت نفسه الى "سر معروف"، أو بالأحرى متداول في واشنطن من زمان، عن محادثات شبه منتظمة تشاركت فيهما الدولتان معلومات استخبارية. ورغم ذلك يؤكد الباحث الأميركي نفسه أن قلق كل منهما وهمومه الايرانية ليست مطابقة لقلق الأخرى وهمومها، وأن أهدافهما من الافتراق عن، أو الاختلاف مع، السياسة الأميركية تختلف وعلى نحو جدي. ويؤكد أيضاً أن نشوء تعاون ديبلوماسي وعسكري سعودي - اسرائيلي هو نوع من الخيال. وكي لا يبقى كلامه نظرياً فإنه يعطي أسباباً تدعمه. أولها أن ما يقلق اسرائيل من ايران هو طموحاتها النووية، وليس دعمها لـ"حزب الله" في لبنان ولأشكال متنوعة من الارهاب، وهو أمر تستطيع معالجته. أما المسألة النووية فتمثِّل لها خطراً وجودياً. واذا نجحت الديبلوماسية في إزالة هذا الخطر، فإن ايران لا تعود محل اهتمام كبير في السياسة الخارجية الاسرائيلية. وثانيها، أن قلق السعودية من ايران أكثر عمقاً وتعقيداً من قلق اسرائيل منها. فتدخُّل ايران في الشؤون الداخلية للعرب، وخصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، يشكِّل القلق الأكبر. وقيام الجمهورية الاسلامية فيها ضاعف القلق والخوف من الخطر بسبب اعتمادها سياسة تصدير الثورة، علماً أن العلاقة السعودية – الايرانية قبل ذلك لم تكن ممتازة. وثالثها اجتذاب ايران حركة "حماس" الفلسطينية التي كانت في الفلك السعودي، وتوظيفها في توفير غطاء اسلامي وقومي لمشروع الهيمنة الايرانية على العالم العربي. ورابعها، أن علاقات السعودية بأميركا تختلف عن علاقات اسرائيل بها وكذلك أهداف كل منهما منها. فالسعودية علاقتها سطحية بأميركا. اذ إنها تعتمد على حمايتها العسكرية وخصوصاً في مواجهة تعدٍ ايراني. وفي المقابل، فإنها تساهم من خلال زيادة انتاج النفط في تأمين حاجات العالم ومنها أميركا وحلفاؤها منه. ونفوذ السعودية داخل أميركا أي تأثيرها في سياستها ووضعها الداخليين قليل باستثناء عدد من رجال النفط ومصانع الأسلحة. أما اسرائيل فإن علاقتها بأميركا سياسية وثقافية ودينية، وهي قوية، وأميركا هي الحليف الدائم والثابت لها. علماً أن ذلك لا يمنعها من التصرّف باستقلالية في مسائل تتعلق بأمنها ومن دون أن تؤذي بذلك العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. وهذا يشمل تنفيذ اسرائيل ضربة عسكرية لايران. ولعل العامل الأكثر أهمية الذي يحد من آفاق أي تعاون سعودي – اسرائيلي هو الموقف السلبي العام في العالم العربي، ولاسيما في المملكة، من الدولة اليهودية في اسرائيل، وان استعمال اسرائيل للأجواء السعودية في أثناء ضرب ايران سيفجِّر موجة عنيفة من الغضب الشعبي ضد حكَّام المملكة من أبناء شعبها ومن أشقائهم في الخارج. فالرأي العام العربي لا يمكن أحداً أن يهدىء غضبه وخصوصاً في ظل استمرار غياب التقدُّم على طريق حل القضية الفلسطينية من خلال اقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 عاصمتها القدس. ومن شأن كل ذلك وضع المملكة وحكامها في وضع سيىء. اذ سيعتبرها وسيعتبرهم مواطنوها ومواطنو الدول العربية متواطئة مع أكثر دولة يكرهونها ضد دولة اسلامية، وإن تشكِّل خطراً على الجميع أو على غالبيتهم.
انطلاقاً من ذلك يرى الباحث الأميركي نفسه أن اسرائيل والسعودية لن تخفِّفا من مستوى علاقاتهما مع أميركا. لكنهما ليستا مستعدتين لعناق بعضهما. لكنه يرى أن على المسؤولين الأميركيين واجب وعي أسباب "زعل" حليفتي بلادهم منها ومعالجتها، وخصوصاً بعد أن شمل الاختلاف سوريا. وإذا لم يفعلوا ذلك، فإن النفوذ الأميركي في المنطقة قد ينحسر جدياً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق