بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 ديسمبر 2013

توأمان في المصائب أيضا -وليد أبي مرشد

مشاكل لبنان الأمنية وعقده السياسية - المذهبية قد لا تكون جديدة على اللبنانيين. بيد أن الجديد في وضعه الراهن أن يصبح، كيانا وشعبا، مثقلا بتبعات صراعات إقليمية تفوق طاقاته الذاتية على تحملها.لا يختلف لبنانيان على دقة، بل خطورة،
الوضعين الأمني والسياسي اللذين يعيشهما بلدهم اليوم.. والمؤسف أن ما يختلفون عليه أدهى من ذلك بكثير، أي دور لبنان في منطقته الجغرافية (إن صح توصيف أزمته بمقاربة مبدئية)، وهوية التبعية الخارجية المرشح للاحتماء بمظلتها (إن جاز توصيفها بمقاربة واقعية).
 لأن الحراك السياسي في لبنان لا ينفصل عادة عن الخلفيات الطائفية للبنانيين، تتخذ «معركة الولاءات الخارجية» المستعرة على ساحته اليوم طابعا مذهبيا حادا أخذ يطغى على ما عداه من اعتبارات أخرى، اجتماعية كانت أم أمنية.
 لبنان اليوم «رهين المحبسين»: الولاء المذهبي والتبعية الإقليمية. واللافت، بل المستغرب، أن لبنان القرار المستقل يبدو مغيبا من أجندة الكثير من الأحزاب اللبنانية الترخيص، والأقرب إلى «اللوبي الأجنبي» في مفهوم القانون الأميركي لنشاطاتها السياسية.
 من السهل رد الجذور التاريخية لأزمة لبنان الراهنة إلى اتفاق سايكس - بيكو الشهير الذي «فصل» لبنان على مقاس المصالح الفرنسية - البريطانية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، من جهة، ومقاس «طموحات» البطريرك الماروني الثاني والسبعين، إلياس بطرس الحويك، لتوسيع نطاق ما كان يفترض أن يكون الوطن القومي المسيحي، من جهة ثانية.
 ولكن، إذا كان اتفاق سايكس - بيكو فشل في بناء «وطن» ولو بحد أدنى من إجماع على الأساسيات، فاللبنانيون أيضا فشلوا في بناء «دولة» وإنْ في حدها الأدنى من العملانية.
 تعزية اللبنانيين اليوم قد تكون أنه حتى الأمس القريب كان الاعتقاد السائد أن لبنان هو الضحية الجغرافية الأبرز لاتفاق سايكس - بيكو. ولكن ما كشفته الثورة السورية من هشاشة كيان سوريا الاجتماعي ومن تيارات طائفية دفينة ما زالت تتصارع داخله بعد أكثر من أربعة عقود من حكم حزب البعث «العلماني» تظهر أن البلدين التوأمين.. توأمان في كل شيء.
 على ما يبدو «كلنا في الهم شرق»: وطن محبط ودولة سائبة في كل من سوريا ولبنان.. والضريبة الثقيلة لهذا الإخفاق المزدوج لكياني اتفاق سايكس - بيكو يدفعها السوريون واللبنانيون معا من أمنهم واستقرارهم وحتى استمرارية وجودهم في بلديهما.
 عمليا، لبنان وسوريا ضحيتا ظاهرة واحدة رغم التباينات المحلية في معطياتها ومسبباتها: ظاهرة الدولة الفاشلة، فلا نظام «الممانعة» في سوريا تمكن من إثبات صدقية شعاره «القومي» على مدى العقود الأربعة المنصرمة، ولا دولة «الإشعاع والنور» في لبنان استطاعت أن تبرهن عن قدرتها على إضاءة الشوارع بالكهرباء العادية قبل تنوير المنطقة برسالة ميشال شيحا الحضارية.
 لا جدال في أن وقف حمام الدم في سوريا يجب أن يستأثر بأولوية اهتمامات الأسرة الدولية في هذه المرحلة. ولكن الحؤول دون الانهيار الكامل لمؤسسة الدولة في لبنان لا يقل عنه أهمية، وإن كانت التطورات الإقليمية تدرجه في مرتبة أدنى على قائمة اهتمامات المجتمع الدولي.
 باختصار، إذا كانت «الحالة السورية» بحاجة إلى «جنيف 2» (أومنترو 1) برعاية دولية فإن «الحالة اللبنانية» أيضا بحاجة إلى «سان كلو 2»، أي إلى مبادرة فرنسية تعيد لغة الحوار إلى بيروت كما فعلت مداولات «سان كلو» الأولى عام 2007.
 في مرحلة سياسية دقيقة تفرض على معظم الدول العربية إما الانهماك بشؤونها الداخلية أو بالنزاع السوري - أو بالاثنين معا – تظل «الأم الحنون» الدولة الغربية المؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط في لبنان. ورغم أن شرخ الخلافات اللبنانية الحالية أعمق بكثير مما كان عليه عام 2007، يكفي المساعي الفرنسية - إن فشلت في نزع فتيل الانفجار في لبنان - أن تتوصل، على الأقل، إلى تأجيل الانهيار الكلي لمؤسسة الدولة على استقرار سوريا، المتوقع في مستقبل غير بعيد، يصيب بعدواه التوأم اللبناني.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق