بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 ديسمبر 2013

يوميات - اللاجئون السوريون إذا نطقوا محمد علي فرحات

منحوتة أثرية في متحف عمّان
الاثنين 16/12/2013: العاقر
تعقد الزيتونة مرة كل سنتين،
ومرة كل سنة تعقد المرأة.
حبّات الزيتون تحت الشجرة
والأولاد يركضون في الحقل،
نحو حافة الموت هنا
ونحو حافة الهجرة هناك.
 كثيرون ولا يبقى أحد.
تبقى الزيتونة وحدها،
الزيتونة العاقر.
 > الثلثاء 17/12/2013: لاجئون
تتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد اللاجئين السوريين عام 2014 إلى أربعة ملايين، إحصاء رسمي يميل إلى تقليل العدد، ففي لبنان تحصي المنظمة الدولية 800 ألف لاجئ في حين يفيض العدد عن مليون ومئتي ألف.
نتذكر اللجوء الفلسطيني في دفعتي 1948 و1967 ولم يعد منهم سوى نخب من المنظمات التي كانت في بيروت، وقد وزعتهم إسرائيل وفق أرقام ولم تهتم بكون صاحب الرقم فلسطينياً أصلاً، حتى أنها أعطت رقماً للشاعر والروائي السوري سليم بركات، لمجرد أن اسمه وارد في لوائح إعلام منظمة التحرير. (بركات لم يعد وفضّل البقاء في قبرص ثم الاستقرار في السويد).
اللجوء السوري يبدو موقتاً كما كان يبدو اللجوء الفلسطيني عام 1948، حتى أن كثيرين من الفلسطينيين الذين نزحوا إلى جنوب لبنان حملوا مفاتيح بيوتهم، وكان منهم من يتسلل إلى بيته فيحضر بعض أواني المطبخ. لكن نازحين آخرين قرروا العودة نهائياً وتحقق لهم ذلك ما بين 1948 و1951 حين كانت إسرائيل جسماً هلامياً لم يصلب عوده ولم يضبط حدوده ضبطاً محكماً، ومن هؤلاء العائدين مبكراً الطفل محمود درويش الذي عرفه العرب والعالم في ما بعد شاعراً كبيراً يؤثر حتى في المجتمعات العبرية في إسرائيل.
لا أحد يمكنه توقع مصير اللاجئين السوريين، الأسوأ حظاً من سالفيهم الفلسطينيين. كان الأمر واضحاً عام 1948: دولة وليدة هي إسرائيل سمحت وإن على مضض ببقاء فلسطينيين على أرضها المغتصبة وأعطتهم جنسيتها، ودول عربية مجاورة استضافت اللاجئين في مخيمات واهتمت بهم وبعضها أعطاهم جنسيته كالأردن الذي ضم الضفة الغربية، ومجتمع دولي أنشأ هيئة الأونروا التي تهتم بحاجاتهم الغذائية والصحية والتعليمية، فرأينا أبناء لاجئين فلسطينيين فقراء في لبنان وقد أنهوا دراساتهم العليا في الجامعة الأميركية في بيروت على نفقة الأونروا، وكانوا طليعة العاملين في الخليج العربي قبل الطفرة النفطية ومعها، وتحضر أسماؤهم في لائحة الأغنياء العرب الكبار.
اللاجئون الســـوريون ســيئو الحظ، لأن وطنهم ساحة لدمار أثر دمار، والدول العربية المحيطة به منكوبة بإدارتها الســــياسية والاقتصادية وتفسخ مجتمعاتها، والمجتمع الدولي غير قادر (أو غير راغب) على نجدة هؤلاء لأن لهم نظراء كثيرين في عالم يستيقظ وينام على الحروب الأهلية الطالعة من أفكار منتهية الصلاحية.
وعدا مقالات مـــثقفين يتـــبادلون التهم ويوزعون معلومات ناقصة أو متحاملة ويتمسكون بأذيال سياسيين محدثي المال، وعدا شعراء وروائيين قلة يكتــبون آلامهم (مثل نزيه أبو عفش)، لا تجد بين اللاجئين السوريين هارون هاشم رشيد أو محمود درويش أو اميل حبيبي أو سميح القاسم، كما لا تسمع عن آلامهم أغنيات كالتي قدمها الإخوان رحباني بصوت فيروز (راجعون، سنرجع يوماً، جسر العودة ألخ...).
انهم لاجئو الصمت، صــمتهم وصمت الآخرين، حتى إذا نطقوا ذات يوم نطقهم الغريزي يكتمل انفجار هذا الشرق المرتجف عند فوهة بركان.

> الأربعاء 18/12/2013: عبدالحميد بعلبكي
حين كان الشعراء العرب يتسابقون على النشر في مجلة «الآداب» مطلع ستينات القرن الماضي، كان الفتى عبدالحميد بعلبكي ينشر فيها قصائده بالتوقيع المستعار «مختار عبدالباقي»، ما أغضب أصدقاءه فتوجه أجرأهم إلى مكتب سهيل إدريس في الخندق الغميق وسلمه ورقة نعي «الشاعر المأسوف على شبابه مختار عبدالباقي». بعد ذلك لم ينشر عبدالحميد قصائد في «الآداب» أو في غيرها، واستغرقه الرسم والنحت، دراسة وإبداعاً وتعليماً في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، حتى تغير إيقاع نفسه وبالتالي إيقاع شعره فطبع بعد عقود دواوين أمينة لبحور الخليل التقليدية، هو الذي بدأ بكتابة قصيدة التفعيلة أو ما سمي في حينه «الشعر الحر».
مات عبدالحميد بعلبكي وهو يبحث عن مكان لمنحوتاته ولوحاته ومكتبته العامرة بالمطبوع والمخطوط والوثائق النادرة. في آخر محطاته في شارع محمد الحوت في بيروت، عرض أمامي نسخة أصلية من رسائل مكماهون إلى الشريف حسين، وكنت زرت إحدى محطاته التي تحطمت في طريق صيدا القديمة ورأيت وثائق نادرة وقليلة الحجم، حتى مازحته بالقول: أنت توثّق حتى الغبار.
صديق نابغ من عائلة فنانين ومثقفين يميلون إلى التعمق في التاريخ الحضاري، وفي اسمه واسم شقيقه الكبير، عبدالحميد وعبدالمجيد، ما يشي بنزعة انتماء واسعة عبّر عنها الأب بإطلاق اسمي سلطانين عثمانيين على اثنين من أبنائه. ولاحظت لاحقاً في إطلاق عبدالحميد اسم «لبنان» على أحد أبنائه إعلان انتماء إلى وطن يجد أعمدته الراسخة في مواطنيه المثقفين الذين تشع إنجازاتهم على القريب والبعيد.
من يحفظ منحوتات ناطقة ولوحات واقعية ممزوجة بالسحر والسخرية المرة؟ من يجد لتراث عبدالحميد بعلبكي مقراً لا محطة؟
وداعاً يا صديقي...

> الخميس 19/12/2013: فيروز هي
أيقونة لبنان، فيروز، لكنها، ومعها الأخوان رحباني، لم ترضخ لحدود أقامها سياسيون وأيديولوجيون. في ذروة الاحتقان السياسي والعسكري مع السوريين والفلسطينيين غنت للشام ولفلسطين ولم ينل ذلك من وطنيتها، ولا من كونها رمزاً من رموز لبنان القليلة كالأرز والعَلَم.
ولن ينال السجال الهزيل هذه الأيام من حضور فيروز ورمزيتها، سجال يدين المشاركين فيه قبل أن يدينها، ذلك أن كثيرين من كتبة التعليقات السياسية والثقافية تعبوا من تكرار الأمنيات وانكسارها على صخرة واقع متحركة هي الأخرى، ولا أحد يدري إلى أين تتدحرج ولا من يتحكم بسقوطها.
«يتناتشون» فيروز كأنها لبنان، وكلّ يريدها لنفسه، يريد ترجمتها وأن تكون الترجمة وحيدة. هل كان أفضل أن تصمت ولا تدلي برأي أمام ابنها وارث العبقرية الرحبانية ومجدّدها؟ هل غناؤها عمومي بالمعنى السياسي إلى درجة الصراع على انتساب المتنافسين إليها وانتسابها إليهم؟
انظر إلى المقيمين في بيوتهم وحقولهم على خطر، وإلى المشردين وإلى المثقفين المهمشين، وانظر إلى عرب المشرق ومصر والمغرب، وإلى الأجانب الباحثين عن إيقاع شرقي أصيل يعانق ثقافتهم. هؤلاء جمهورها الدائم والمتجدد، يسمعون غناءها كأنه أنسام أرض وشجر وتاريخ وبشر، أو كأنه نشيد وبيان.
سجال متعجل يكاد يحطم الخزف النادر، التراث الفيروزي الرحباني، خزف معجز يستحيل صنعه من جديد، وهو مجبول من حساسية موسيقية تنتشر في أوردتها حضارة المشرق بخزينها العالمي الراقي وبإنسانها الذي يكتشف نفسه في أغاني فيروز، ويراها غريبة عن سجالات جاهلة أو مجهّلة ومملة في الحالين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق