بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 ديسمبر 2013

أقباط مصر: أحوال تتقلب كموج البحر - احمد حمدي

كما يتقلّب موج البحر تتقلب أحوال أقباط مصر. ففي أواخر السبعينيات كان الخلاف عميقاً بين السلطة ممثلة بالرئيس المصري الراحل أنور السادات ورأس الكنيسة القبطية البابا الراحل شنودة الثالث، وكانت نهاية هذا الخلاف قاسية على الأقباط بتحديد إقامة البابا بدير وادي النطرون في شهر أيلول من العام 1981 بعدما أعلن البابا عن تعرّض الأقباط للاضطهاد في مصر للمرة الأولى في التاريخ، لكن هذا الوضع لم يدم كثيراً حيث تم اغتيال السادات بعد أيام فقط من هذا القرار. 
وفي عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك عاش الأقباط وضعا أفضل نسبياً، بحسب ما يؤكد الكثيرون منهم، وذلك رغم استمرار بعض الاعتداءات بين الحين والآخر على الكنائس. وكان آخرها، في عهد مبارك، تفجير كنيسة القديسين الشهير في مطلع العام 2011. وبعد هذا الاستقرار النســبي لمدة 30 عاما،ً أتت الثـورة وأطاحـت مبارك ونظامه.
وبينما تطلعّ الأقباط إلى تحسّن في أحوالهم بعد «25 يناير»، إلا انهم وجدوا أنفسهم يواجهون تياراً «إسلامياً» لا يكفّر الأقباط فحسب، بل يكفّر حتى أبناء دينه المعارضين لحكمه. 
فترة حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وجماعته، شهدت خوفاً وترقّباً وهجرة جماعية للأقباط في عهد اتّهم فيه الأقباط بتحريك جموع المعارضة ضد الرئيس المعزول. 
«مسكنا اثنين مسيحيين وسلمناهم للشرطة»، لعلّ هذه الجملة التي قالها أحد المؤيدين لمرسي بعد اعتدائهم على مشاركين في تظاهرة ضدّه تختصر الواقع وتظهّره حيث أصبحت المسيحية ــ في عهد المعزول ــ تهمة في حد ذاتها.
مرة اخرى، لم يدم هذا الحال طويلاً، فخرج الناس إلى الشوارع في 30 حزيران العام 2013 مطالبين بالإطاحة بمرسي وجماعته حتى تحقق لهم ذلك بعدما انحاز الجيش المصري إلى الشعب مجدداً وعزل مرسي من منصبه. 
«كنت أقفز كالمجنون وأنا أسمع خطاب العزل»، يصف الشاب القبطي مينا يوسف لـ «السفير» سعادته بعزل مرسي. الشاب الذي كان «قاب قوسين أو أدنى من الهجرة»، على حد قوله، تنازل عن تلك «الأحلام» تماماً. لكن سعادة يوسف انقلبت لاحقاً إلى صدمة بعدما تم الاعتداء على نحو 20 كنيسة ومنشأة تابعة للأقباط كردة فعل من قبل مناصري جماعة «الإخوان المسلمين» على فضّ اعتصام «رابعة العدوية» في 14 آب الماضي.
«هم بالفعل كانوا يروننا مسؤولين بشكلٍ مباشر عن الإطاحة بالحكم. برأيهم، ان المسيحيين هم عدوهم الأول»، يفسّر يوسف وجهة نظره. وبالرغم من استمرار الاعتداءات على الكنائس، وأشهر تلك الحوادث الهجوم على كنيسة الورّاق، يؤمن يوسف بأن هذا هو الثمن الذي يدفعه الأقباط للتخلص من حكم «الإخوان»، فيقول: «سنتحمّل، لأن لكل شيء ثمنا، وما يحدث الآن أفضل بمليون مرة مما كان سيحدث لو استمرّ مرسي في الحكم». 
«هيّ غمة وانزاحت»، بهذا التعبير العامي عبّرت ربة المنزل أماني اسكندر عن سعادتها بالخلاص من مرسي وجماعته، معتبرة أن «الوضع الآن، بالرغم من صعوبته، واستهداف الأقباط من قبل الجماعات الإرهابية، فهو أفضل من استمرار حكم الإخوان». 
وتوضح «نحن مستهدفون في كلتا الحالتين، لكن شتان بين أن تدافع عنك الدولة ضد تلك الجماعات، وأن تكون الدولة هي نفسها تلك الجماعات». وتستطرد قائلةً: «اليوم، جميعنا يقف مع الجيش المصري في وجه هؤلاء الإرهابيين. ونحن مستعدون للتضحية من أجل مصر بكل ما نملك». 
لا يختلف رأي الشاب الثلاثيني عماد مرقص حول ضرورة الوقوف إلى جانب الجيش والشرطة المصرية في مواجهة الجماعات المسلحة. لكن مرقص يرى أن ثمة تقاعساً لدى الجهات الأمنية في التعامل مع الاعتداءات على المسيحيين. 
«التحرك دائماً بطيء عندما يتعلق الأمر باعتداء على كنيسة أو على مواطنين أقباط، كما لو كنا مواطنين درجة ثانية»، يقول مرقص لـ« السفير»، متسائلاً: «إلى متى تستمر تلك الاعتداءات؟ إلى متى سنستمرّ بدفع الضريبة؟». 
ويؤكد مرقص دعمه اقتراح قانون «مكافحة الفتن الطائفية»، الذي صاغه ائتلاف أقباط مصر. ويتكوّن مشروع القانون من 11 مادة في الوقت الذي تنصّ أبرز مواده على تأكيد حرية الاعتقاد واحترام حرية التحوّل الديني لمن هم فوق 21 عاماً، وتنظيم حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتجريم ازدراء الأديان السماوية، وعدم التمييز بين المواطنين في كافة نواحي الحياة العملية بناءً على عقيدتهم أو عرقهم أو جنسهم أو لونهم. 
ويعاقب مشروع قانون «مكافحة الفتن الطائفية» على حجب الوظائف والترقيات والمناصب السيادية والعسكرية بسبب اختلاف العقائد بينما ينصّ على إلزامية تدريس مادة عن المواطنة في المدارس. 
وتنصّ إحدى مواد مشروع القانــون علــى تشكيل لجنة لمراقبة تنفيذه، على أن تضم 15 عضواً منهــم رجــال قضاء وممثلون من الأزهر والكنيسة وممثلون للمجلس القومي لحقوق الانسان، وممثلون عن التيارات الشعــبية، بالإضافــة إلى ممــثل عن رئاســة الجمـهورية المصرية.
وقد عبّر أحد القساوسة في حديث لـ «السفير»، عن تأييده ما جاء في نص القانون المقترح، إذ رأى أنه يحقق العدالة في ظل مبدأ المساواة والمواطنة. ويضيف «جميعنا مصريون سواء كنا مسيحيين أو مسلمين، ولا يجب أن يكون لأحد أفضلية على الآخر، وأتمنى أن يقرّ الرئيس المصري الموقت عدلي منصور مشروع القانون هذا». 
ويتطرق القس الذي رفض ذكر اسمه، إلى المادة التي تنص على تدريس قيم المواطنة واحترام عقائد الآخرين في المدارس، منوهاً بأنها «قد تكون أهم ما نص عليه القانون لتنـشئة أجـيال متسامحة ومتحابّة». 
ويطالب رجل الدين المسيحي بضمان تمثيل الأقباط في البرلمان المقبل، بشكل يلائم حجمهم ولا ينتقص من حقوقهم السياسية. 
أما عن استمرار الاعتداءات على الكنائس، فيدعو القس جموع الأقباط إلى الصبر والإيمان والتمسّك بالعقيدة. ويختتم قائلاً: «نحن ندفع ضريبة كبيرة حقاً لكنها تبقى قليلة على مصر وشعبها، وسنظل نضحّي من أجل بلدنا حتى آخر قطرة دم». 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق