بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

أبوعين يحتفل بالانتفاضة: لتسقط اغصان الزيتون

«انه جيش ارهابي، يمارس القمع والارهاب ضد شعبنا الفلسطيني، لقد جئنا اليوم لنزرع اشجار الزيتون في ارضنا، وهم يقومون بالاعتداء علينا من اول لحظة، لا احد ضرب حجرا ولا احد قام بالاعتداء»، كانت هذه الكلمات الاخيرة للمناضل الفلسطيني زياد ابوعين، قبيل استشهاده على ايدي قوات الاحتلال الصهيوني شمال الضفة الغربية امس. كان قرارا متعمدا من الاحتلال باعدام ابوعين، وهو الذي يشغل منصب رئيس هيئة مناهضة الجدار والاستيطان بدرجة وزير في السلطة الوطنية الفلسطينية. ولكنه بخلاف مسؤولين آخرين، لم تشغله وظيفته الرسمية عن مواصلة النضال على الارض. ولم يكتف جنود الاحتلال بضربه بكعوب بنادقهم وخوذاتهم على صدره في عدوان وحشي، بل اصابوه مباشرة بقنبلة غاز خانق، ثم عطلوا وصول سيارة الاسعاف اليه، رغم انه كان يشرف على الموت بعد اصابته.
جريمة حرب مكتملة الاركان ضد مظاهرة سلمية لم يحمل المشاركون فيها سوى اغصان الزيتون التي كانوا ينوون غرسها في ارضهم لعلهم يعصمونها من تغول الاحتلال الذي لا يتوقف عن ابتلاع الاراضي الفلسطينية، فيما يكتفي العالم، والعرب في مقدمتهم، بالفرجة.
لم يتراجع الشهيد ابوعين خطوة واحدة، بينما انهال عليه الضرب من جنود الاحتلال ثم قنابل الدخان، قبل ان يسقط، وتسقط معه اغصان الزيتون، لكنه تمكن من الابقاء على كوفية النضال الفلسطيني فوق كتفه وهو يرتقي ، حتى اخر لحظة في حياته، في مشهد دراماتيكي يبعث رسالة واضحة. 
التحق ابو عين بركب فلسطيني عريق في التضحية والشهادة من اجل الحرية، لكن بعد ان اعلن وصية اخيرة، ستظل محفورة في وجدان شعبه: «انه جيش ارهابي، لا يفهم لغة اغصان الزيتون، ولايقدر الذين يكتفون بحملها، بل يفهم فقط لغة القوة والمقاومة بكافة السبل حتى تحرير الارض». 
ويبقى السؤال الموجع ان كان ابو عين، سيجد من ينفذ وصيته، ام ان الامر لن يتعدى « الحداد ثلاثة ايام» الذي اعلنته السلطة.
الواقع ان استمرار الحديث عن «عملية سلام» بعد هذا الاعدام بدم بارد لمسؤول فلسطيني على الهواء مباشرة يمثل اهانة لكافة شهداء النضال الفلسطيني، ولكل من ضحى او يضحي اليوم من اجل الابقاء على الحلم الفلسطيني.
وليس من قبيل المصادفة ان يأتي استشهاد ابوعين غداة الذكرى السابعة والعشرين للانتفاضة الاولى، وكأنه يحتفل بها، وهي التي اندلعت اثر عدوان مماثل اذ تعمدت سيارة للاحتلال دهس عدد من الفلسطينيين، فكانت شرارة الغضب التي لولاها لما اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، ولما قبلت التفاوض على اساس الارض مقابل السلام في مؤتمر مدريد، ولما كانت هناك سلطة فلسطينية قائمة اليوم، ولما حققت القضية الفلسطينية ايا من مكاسبها على الصعيد الدولي، بما في ذلك تعاطف شعبي جارف وغير مسبوق في الغرب.
اما على مستوى ردود الافعال، فقد طالب الاتحاد الاوروبي امس الاربعاء بتحقيق «فوري» و»مستقل»، وقالت وزيرة خارجية الاتحاد فديريكا موغيريني في بيان ان «المعلومات عن استخدام مفرط للقوة من قبل قوات الامن الاسرائيلية تدعو للقلق الشديد» مضيفة «ادعو إلى تحقيق فوري ومستقل في موت الوزير ابو عين» الذي قتل اثناء تظاهرة ضد الاستيطان.
اما عربيا، وحتى كتابة هذه السطور، فيبدو ان العواصم العربية اما لم تسمع انباء العدوان الاسرائيلي الجديد او انها اصبحت تعتبر ان مثل تلك الاحداث «طبيعية ولاتستحق التعليق».
وبالطبع فان الانظار ستتجه حتما إلى الدول العربية التي تعتبر الرئيس محمود عباس حليفا مقربا لها، مثل مصر والسعودية والاردن وغيرها، لترى ما اذا كانت جادة حقا في الحفاظ على الحد الادنى من مصداقية السلطة في اعين شعبها. 
اما على المستوى الرسمي الفلسطيني، فاشارت تقارير إلى تصريحات لمسؤولين فلسطينيين حول «احتمال تعليق التنسيق الامني مع الحكومة الاسرائيلية» وليس وقفه تماما.
فما هي «الاجراءات الضرورية» التي لوح بها الرئيس عباس باتخاذها امس في بيانه ردا على استشهاد ابو عين؟ 
الواقع ان اي قرار دون الوقف الكامل للتنسيق الامني، والانضمام فورا إلى الاتفاقية المنظمة لعمل المحكمة الجنائية الدولية تمهيدا لمحاسبة اسرائيل على جرائمها جميعها، لن يكون مقنعا للشعب الفلسطيني.
اما الانتفاضة فلم تكن ابدا قرارا قياديا، ولكنها حراك شعبي اصبح مستحقا، ولن يستطيع احد ان يمنعه، وقد اصبحت الخيار الوحيد الباقي للحفاظ على ما تبقى من ارض وكرامة، بعد ان اسقطت اسرائيل اخر اغصان الزيتون التي كان يحملها الشهيد ابو عين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق