بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

حرب سريعة ضد {داعش} باسل محمد

من أهم الأهداف السياسية بالنسبة للعراق في الوقت الراهن هو أن تنتهي الحرب على تنظيم "داعش" بسرعة ليتم تحرير المدن الشمالية والغربية والقضاء على فلول هذا التنظيم وطي صفحته لأن اطالة أمد هذه الحرب تعني أن المزيد من العراقيين سيسقطون قتلى وجرحى ونازحين ولاجئين.
المشكلة النفسية بالنسبة لكثير من العراقيين هي أنهم أقنعوا أنفسهم بأن السنوات القاسية التي مرت عليهم بعد العام 2003 ستنتهي الى سلام وأمان وحياة جديدة من دون ان يتوقعوا ظهور تنظيم ارهابي دموي باسم "داعش"، لذلك ربما يتساءل بعض العراقيين عن السنوات التي سنحتاجها للخروج من كابوس هذا التنظيم الهجمي.
في الواقع لا توجد مؤشرات واضحة وحقيقية لتحديد سقف زمني لنهاية "داعش" في العراق وسوريا معاً لأن القضاء على التنظيم في العراق وحده يمثل انجازاً أمنياً مهماً للعراقيين لكنه لن يجلب الأمن الكامل لهم لأن التنظيم سيستخدم الأراضي السورية لتصدير الانتحاريين والارهابيين والسلاح الى المدن العراقية وبالتالي سيستمر المشهد الدموي الذي عانى منه العراقيون منذ ما يزيد من عقد من الزمان.
ان دول التحالف الدولي - وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تملك معدات ومصادر متطورة في جمع المعلومات والمراقبة والتجسس وتحليل المعطيات - لم تصل بشكل حاسم الى وضع جدول زمني محدد تتخلص خلاله المنطقة من "داعش" وقصصه الاجرامية المختلفة، كما أن دول التحالف لا تزال تتحدث عن تغييرات في ستراتيجيتها لمحاربة هذا التنظيم، أي أنها لا تملك ستراتيجية بعينها للتخلص منه بصورة نهائية وسريعة وهذا معناه أن الحرب ستطول على الأرجح.
وفي المقابل، توجد مخاوف لدى البعض من السياسيين في العراق وسوريا من أن تستغل الحرب الطويلة على "داعش" أو أن تتم اطالتها عن قصد لفرض سياسات أو تسويات على البلدين أو فرض حلول لبعض مشاكل المنطقة مثل الملف الايراني النووي وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم.
وفي المجال الاقتصادي، هناك من يتخوف من أن تسهم الحرب الطويلة على "داعش" في استنزاف الموارد المادية التي هي اصلاً كانت متعثرة في تحقيق مستويات من التنمية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، أما اليوم فهذه الأسعار منخفضة وهي مرشحة لمزيد من الانخفاض ما يؤدي الى تعزيز التعثر وعرقلة حل العديد من الملفات الاقتصادية الحيوية التي لها تأثير مباشر على حياة المواطنين.
بصراحة شديدة، بعض العراقيين - وهم محقون في ذلك - لديهم قناعة بأنه حتى بعد تحرير مدنهم من الارهابيين، سيواجهون شهوراً قاسية للغاية وربما سنوات لأن تنظيماً مثل "داعش" ربما سينشر عشرات الخلايا الارهابية داخل الأحياء وبين المواطنين وهذا معناه أن سنوات التفجيرات والهجمات الارهابية اليومية ستعود من جديد.نحن في العراق لكي نكون واثقين ومتأكدين من حرب سريعة ضد "داعش" فاننا سنحتاج الى أمور أساسية في بناء الدولة وهي عملية بناء لا تزال في بداياتها في ظل حكومة عراقية جديدة نجحت في الشهور القليلة الماضية باتخاذ بعض الخطوات السياسية الضرورية في ضوء اعتراف جميع القوى السياسية بأن مهمة الحكومة الجديدة لبناء مؤسسات أمنية وعسكرية واقتصادية فعالة ليست سهلة.
برؤية مقارنة، كانت الأجهزة العراقية الاستخباراتية تواجه بضعة مئات من تنظيم القاعدة الارهابي في السنوات السابقة وكنا في حينه نتحدث عن ضرورة بناء جهاز استخباراتي مهني طيلة اكثر من عشرة أعوام، ولذلك من الصعوبة اليوم أن نتحدث عن بناء استخبارات قوية في أيام أو شهور أو عام لمواجهة آلاف الارهابيين من "داعش" وقد انتشروا في العديد من مدن العراق ولديهم مصادر تمويل ويملكون شبكات للتجنيد في الخارج لارسال المزيد من الارهابيين الى الاراضي العراقية والسورية.
كما ان ملفات الفساد التي تحدث عنها رئيس الوزراء بكل شفافية وجرأة هي مشكلة منهجية تقف أمام اختصار زمن الحرب على "داعش" والتعجيل في القضاء على هذا التنظيم لاسيما أن بيانات الحكومة تشير الى جيوش من الفضائيين في مؤسسات الدولة غير مؤسسة الجيش التي تبين أن 50 ألف وهمي ينتسبون اليها، ولذلك لا يوجد أدنى شك بأن الفساد عدو رئيسي لإنجاز حرب سريعة ضد الارهابيين والتكفيريين.
من منظور بناء الدول، يمكن للعراق أن ينجز بسرعة مقومات الحرب السريعة للقضاء على "داعش" اذا توفرت ارادة سياسية في هذا الاتجاه، وهي موجودة وتتضح يوماً بعد يوم في قرارات حكومة حيدر العبادي لكن هذا لا يكفي لاحتواء الأوضاع الخطيرة والاستثنائية التي يمر بها البلد، ولذلك يجب على هذه الارادة السياسية أن تعتمد على ارادات أخرى وتنسق معها في الجامعات والمراكز العلمية المختلفة لوضع ستراتيجيات جذرية ومتابعتها لتعزيز قوة بنية المجتمع العراقي في محاربة الارهاب والتطرف والطائفية والقبول بالعيش المشترك ودعم نجاحات التنمية بشكل ملموس واقتراح خطوات نوعية لتحسين مناخ الحياة العامة لشد كل العراقيين الى فكرة الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق