بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 20 ديسمبر 2014

◘ هل يمكن أن تغضب السعودية من «حماس»؟ - جاسر الجاسر

لا يبدو أن أحداً يغضب من «حماس» الآن، فوقت الغضب انقضى بعد أن دأبت الحركة على حمل توجهاتها الحزبية ورغبة قياداتها وليس همّ الفلسطينيين، وما نزوعها إلى التواصل مع طهران سوى تعبير عن إغلاق أنفاقها السياسية التي كانت من خلالها تحاول أن تكون متصدرة للمشهد بعيداً من الشأن الفلسطيني.

أُصدّق المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري حين ينفي وجود اتصالات سعودية احتجاجاً على زيارة وفدها إلى طهران، لكن لا يمكن قبول قوله إن «حركته تؤكد حرصها على علاقات جيدة مع كل الأطراف العربية والإسلامية».
السعودية تتعامل مع الدولة الفلسطينية ومن يسير في تقوية وجودها، و «حماس» مجرد مكون لا يكتسب قوته إلا بقدر غيرته على الشأن الفلسطيني. الهدف من تعميق العلاقة مع طهران هو أن تكون الحركة مثل «حزب الله» في لبنان و «الحوثي» في اليمن، قوة خارج الدولة وموازية لها، وتحصد مكاسبها من طريق الممانعة المسلحة، فتكون مثل المندوب السامي خارج بنية الدولة إلا أنه يسيطر عليها، إدراكاً لدور موجة الاعترافات الدولية بفلسطين في تحجيم الحركة تماماً وإلغاء دورها، فلا بد من ضمانات تحمي سلطاتها وإن جاءت من الشيطان نفسه.
اللافت أن الخطاب «الإخواني» لا يستطيع الفكاك من أيديولوجيته، فانبرى للدفاع عن زيارة طهران، مستشهداً بما يسميه «فقه الحال»، الذي يقتضي التعاون مع أي طرف يخدم التوجهات، متناسياً كل التعديات الإيرانية، بما في ذلك ملاحقة عناصر الجماعة في اليمن، لأن «حماس» آخر أوراق رهانهم ورئتهم الباقية.
هذه الحركة تنسف كل هذه الحماسة العالمية الفريدة من أجل الدولة الفلسطينية، لأنها تريد السلطة لذاتها وليس من أجل الفلسطينيين، وتجعل من غزة منطقة نفوذ خاصة حتى إن حرمتها من الإعمار وحجبت الغذاء والدواء عن أهلها.
تبدلات «حماس» ليست جديدة، بل إن الصراعات داخلها أعمق من خارجها، فهي في نزاع وانقسامات حول من يديرها، هل هم الساكنون خارجها أم المقيمون في غزة؟
«حماس» التي خالفت نظام الأسد حين كانت آمال «الإخوان» كبيرة في الثورة، عادت إلى طهران التي تقتل السوريين أكثر من النظام نفسه، وهي بذلك تسقط كل مطالباتها بالحقوق والحرية لأنها تشجع وتدعم -حتى من دون تصريح مباشر- الدور الإيراني في سورية وتتناغم معه، خصوصاً أن طهران لا تعرف معنى التبرع لوجه الله والمساندة الحرة للحقوق.
الملاحظ في الجزء الأخير من كلام أبو زهري، الذي يؤكد أن علاقة الحركة جيدة مع كل الأطراف العربية والإسلامية، أنه استخدم «الأطراف» وليس الدول، لأن الحركة نظام يتفاعل مع نظرائه فقط، أما الدول فتتعامل مع الحكومة الفلسطينية التي تسعى «حماس» إلى تشويه سمعتها وإسقاطها.
لن تغضب السعودية من «حماس»، إذ سبق لخالد مشعل أن أقسم أمام الكعبة أن للدم الفلسطيني حرمة لن تنتهك، ومع ذلك لم يكد العدوان الإسرائيلي يتوقف حتى كانت الحرب أهلية، وكأن العدوان فرض هدنة قسرية على الطرفين.
مبروك عودة «حماس» لطهران ولا عزاء لكل الضحايا، غزة بدءاً، ثم في سورية والعراق واليمن، لأن بقاء الحركة يتفوق على كل ما عداه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق