بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 ديسمبر 2014

عدوى -مزهر جاسم الساعدي

يبدو أن فايروس الفساد الذي ينال من بعض مؤسسات الدولة لن يتوقف عند من يعمل فيها، بل صار واضحا انه يتعدى إلى شخوص آخرين لهم تماس مباشر أو غير مباشر مع تلك المؤسسات ولا أدل على ذلك من المؤسسات الدولية أو المؤسسات المانحة التي تعمل في العراق ،على الرغم من ادعائها في مناهجها وأجنداتها التدريبية التي تؤكد فيها على محاربة الفساد.
لقد كشفت السنوات المنصرمة عن اهمية مراجعة هذه الدعوى، حين شاهدنا الهدر غير المبرر من المال الذي يمر عبر تلك المؤسسات والذي خصص لمساعدة العراقيين، وحين أقول الهدر فانني اعنيه بكل ما يحمل من توصيف، فمنذ العام 2003 وحتى يومنا هذا أنفقت أموال طائلة على برامج ومؤتمرات وورش عمل لم يجن منها العراقيون شيئا ولم تغير من واقعهم قيد أنملة إن لم يكن قد زادت الميادين التي تعمل فيها تلك المؤسسات سوءا، ويبدأ الفساد الممنهج لهذه المنظمات من لحظة دخولها العراق ومن مقدار الأموال المصروفة على الموظفين العاملين فيها، ولا شك ان اية مراجعة سريعة لكل برامجها ستكشف أن أي مشروع يراد تنفيذه في العراق يذهب أكثر من ثلثيه لخدمات الموظفين والمستشارين والمتبقي من المال يعطى لمنظمات تكاد تكون مشلولة ولم تترك أثرا على الأرض طيلة السنوات التي صرفت فيها الأموال، ولو أن منظمات أخرى قد حصلت على جزء يسير منها لصار المنجز العراق أكثر لمعانا في الأفق الدولي والعربي.
إن المنظمات الدولية بما فيها التابعة للأمم المتحدة خططت برامجها على آليات لا يمكن ان يصل اليها سوى عدد قليل من المنظمات المدنية العراقية التي ترتبط بها.
لذلك نرى أن ذات المنظمات هي التي تتحصل على المنح وفي شتى المجالات وان وكانت في غير اختصاصها وإذا أرادت المنظمات الأخرى مزاحمتها في تقديم مشاريع نوعية تهم جوهر عملية بناء الدولة، فسيكون مصيرها الرفض بحجة عدم مواءمة المشروع المقدم مع الشروط التي يضعها المانح. وما يثير الاستغراب ويضع أكثر من علامة استفهام على تلك المؤسسات الدولية وعملها، أنها تعطي المنح لمنظمات تعمل معها لسنوات عديدة وتبدأ برامجها في كل مرة بإعادة تأهيل تلك المنظمات، والسؤال هو: هل هناك شكل آخر للفساد غير هذا الذي نراه؟.
ألم يتم بناء تلك المنظمات التي أنفقت في كل منحة كذا ألف دولار طيلة المدة المنصرمة حتى تأتي المنظمات الدولية لتعيد ذات السيناريو؟ ألا يكشف هذا عن فساد واضح اذا ما قارنا حجم المبالغ المصروفة وما تركته تلك المنظمات من اثر على الأرض؟. 
لقد اعترفت بعض كبرى المنظمات المانحة مؤخرا بهذا الفشل حين صرحت بأنها وطيلة ثماني سنوات كانت تعمل مع منظمات فاشلة وقد أهدرت الكثير من الأموال من دون إنجاز نوعي حين رأت بعض ما أنجزته المنظمات العراقية التي تعمل بصمت ومن دون ضجيج وبمال يصل حد الكفاف، مع الفارق النوعي في المنجز الذي اصبح أنموذجا يمكن تصديره لدول أخرى.
والحق أقول ان هذا الاعتراف - وان جاء متأخرا - يؤشر الى صحوة لعلها تطال بعض الهيئات الدولية ابتداء من بعثة يونامي ولا تنتهي عند برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤسسات الدولية الأخرى التي صار بعضها وجه شؤم على العراقيين، لكني اشك بصحوة هذه الهيئات والمؤسسات المانحة في العراق لسبب رئيس يرتبط بفساد بعض القائمين عليها، فأي فساد أكثر من تصدير بعض قادة هذه المؤسسات لمشاريع وتجارب غير عراقية مع عدم ذكر الريادة العراقية في ذات المجالات التي تتحدث عنها على المستوى العربي بل لا أغالي في القول وعلى المستوى الدولي؟. 
أليس من الغريب أن الدول التي يتحدث عنها بعض قادة هذه المؤسسات الدولية تعترف بإسهام المنظمات العراقية في توجيهها وإرشادها لتخطو ذات الخطوات التي تعمل عليها بعض المنظمات العراقية في منجزها الريادي وهي تتعمد إهمالها وتذكر تجربة تلك الدول من دون ذكر للتجربة العراقيــة؟.
إن الأمر الواضح الذي يمكن تأشيره هو أن تلك المنظمات التي أنجزت الفارق النوعي والتي هي صاحبة الأثر الحقيقي في العراق لم تكن في يوم من الأيام ضمن أجندة تلك الهيئات الدولية والمؤسسات المانحة، لذلك ترى أن الإشارة إليها بمثابة الصفعة التي توجه الى القائمين عليها، ومن هنا يبدأ مسلسل التعمية والتغطية وعدم ذكرها على الرغم من ذكرها في المحافل الدولية والعربية.
لكن الأمر المؤلم هو أن العراقيين أنفسهم لاسيما بعض المسؤولين تجدهم حتى هذه اللحظة لم يقتنعوا أن عندهم وفي بلدهم منظمات نوعية لديها منجز حقيقي وريادي على صعيد الدول العربية، جاء عبر تعب وصبر وجهد تطوعي من دون منة من احد فنراهم يذهبون الى تصديق ما تصدره المنظمات المانحة الدولية العاملة في العراق فضلا عن هيئات الأمم المتحدة وكأنها مستسلمة لرأيها وقناعتها من دون سؤال عن حقيقة الأمر، بل يذهب البعض منهم الى محاولة تحطيم المنجز العراقي إن لم يقم بتشويه من قام به عبر اتهامه بتهم ما انزل الله بها من سلطان من قبيل التمويل الهائل الذي يأتي لتلك المنظمة.
ومن هنا فان المنظمات المدنية العراقية صاحبة المنجز الريادي والحقيقي على المستوى الوطني والعربي تجد نفسها بين نارين، نار عدم تصدير منجزها من قبل المنظمات المانحة الدولية العاملة في العراق وهو الأقل اذىً، ونار ابن جلدتها الذي يحاول النيل منها عبر اتهامها بتدفق الأموال عليها حتى وصل حد الاتهام أن بعض المنظمات العراقية قال عنها البعض أن تمويلها يعادل ميزانية دولة وهو الأكثر إيلاما.
أسمعتم بأكثر من هذا الهذيان وهذا التشويه الـذي يطال المنجــز العراقي؟، فهذه المنظمات من جانب لم تتحصل على تمويل من المنظمات المانحة الدولية العاملة في العراق فضلا عن هيئات الأمم المتحدة، ومن جانب آخر ترمى بتهم شتى اقلها تثير أكثر من علامة استفهام.
إن نجاح العمل المدني في العراق منبته ومنشأه التبني والحب والإيمان والبحث عن المنجز الريادي، وهذه الميزة ربما لا تتوافر لدى بعض المنظمات وان كانت تمول من المؤسسات الدولية، ولذلك فان عملها لا يعدو عن كونه نسخة مكررة ومشوهة لأعمال يقوم بها العديد وبهذا فإنها لا تثيرحفيظة احد.
آن الأوان للعراقيين العاملين في الفضاء المدني والذين صنعوا المنجز الريادي أن يعلو صوتهم بالقول بأن عدم اعتراف المنظمات الدولية العاملة في العراق بمنجزهم ومحاولة إحباطه من حواشي بعض ساسة العراق إنما يشير الى نجاحهم وصدق حبهم لبلدهم وتجربتهم الديمقراطية التي يسعون الى تصديرها للآخرين بكل فخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق