بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

«ممنوع النشر»… الكساسبة وزعيتر نموذجا بسام البدارين

لا أحد يريد ان يصدق في الحالة السياسية الرسمية الأردنية بان قرارات حظر النشر أو منع تدفق المعلومات يمكنها بعد الآن ان تكون منتجة او مؤثرة او حتى مفيدة على اي نحو بالرغم من اهدافها النبيلة في بعض الاحيان .
كل وصفات احتكار المعلومات ومنع النشر والتدخل فيه وقمع حريات التعبير وانسياب المعلومات والسيطرة على جميع وسائل الاعلام جربت بكثافة طوال عقود في بلد كالأردن ولم تجرب بعد ولا مرة واحدة تلك الاختبارات التي تقفز بثقافة الشعوب وتغذي رشاقة الحكومات تحت عنوان الانفتاح الاعلامي وترشيد عملية نقل المعلومات .
الحكومة بالضرورة اي السلطة التنفيذية وبالتالي القرار سياسي هي التي تقف وراء الضغط الذي يمارس احيانا على السلطات الاخرى بما فيها القضائية لاستصدار قرارات لمنع النشر.
رغم ان هذه الانماط من العقيدة العرفية للتعامل مع زمن الاتصال والتواصل الا ان اسهل وسيلة للافلات من المواجهة المهنية مع الاعلام وللهرب من مكاشفة الرأي العام هي الاستعانة بقرارات لا مبرر لها ولا تنتمي للعصر الحديث ولا مكان لها اصلا في وجدان المواطن الأردني تسمى منع او حظر النشر .
للأسف يحصل ذلك حتى على الصعيد الإعلامي الرسمي العربي عموما ويواصل الحدوث وسط غياب تام لكل أنماط الإستراتيجيات الوطنية الفاعلة التي يمكن ان تكون ناجحة أو مؤثرة او عميقة لأن «الحرس القديم» الذي يسيطر على مقاليد الامور ينتخب بالعادة رموزا تنفع للخدمة في مراكز الشرطة على رأس المؤسسات الإعلامية العربية العامة والخاصة.
العملية أشبه بخوف المسؤولين من مواجهة الناس والحقيقة وبتقاليد بوليسية بائسة تنتمي في أغلبها للعهد العثماني وبنظريات سقيمة تتصور أو يتم تسويقها لصاحب القرار على أساس معادلة تنتهي باخطار فادحة في حالة قول الحقيقة أو ممارسة الانفتاح الاعلامي أو حتى التقدم بروايات صلبة للأحداث.
يمكن بطبيعة الحال تفهم قرارات منع النشر عندما تصدر عن سلطة القضاء في قضايا وملفات قيد النظر والنشر فيها يؤذي العدالة لكن الممارسة هنا بدأت تطال أحداثا سياسية الطابع من الطبيعي والمألوف القول بان الرأي العام يهتم بها ويتابعها بشغف سواء منع النشر محليا بخصوصها او لم يمنع فمن لا يقرأ معلومة عن بلاده في منبر اعلامي محلي سيسمعها بالضرورة على محطة «الجزيرة» او في اذاعة «مونتي كارلو» او عبر تقارير وكالات الأنباء ضمن وجبات مهنية مكتوبة بعناية ينتجها في الواقع اعلاميون محليون لا يمكنهم الالتزام لاسباب منطقية ومفهومة بقرارات حظر او منع النشر .
الاستخدام السياسي لقرارات منع النشر كان ولازال اسلوبا متبعا يجعل القضاء في بعض الأحيان وأجهزته وسلطاته بلا مبرر منطقي في مواجهة شغف وتطلع الرأي العام لمتابعة المعلومات وتطورات الاحداث وهو شغف لا يمكن برمجته او اطفاء شعلته او حتى التاثير فيه خصوصا وان القضاء في الحالة الأردنية يتميز دوما بالمصداقية والثقل والإستقلالية .
برأينا الشخصي لا تملك أي جهة رسمية الحق في منعي من متابعة حادثة مهمة جدا من طراز الإغتيال الإسرائيلي الوحشي للقاضي الدكتور رائد زعيتر ولا تملك اي جهة وبصرف النظر عن المبررات منع اي مواطن اردني من حقه في متابعة تطورات حادثة مؤلمة جدا تلهب مشاعر الناس من وزن اسقاط طيارة اردنية في سوريا وأسر قائدها .
منع المعلومات وعدم التعليق عليها هنا حصريا يجعل إعلام المتطرفين هو الجهة التي يذهب إليها المواطن الأردني ويعلي من شأن الروايات الأخرى.
في احداث مماثلة واخرى اقل اهمية تسقط اعتبارات منع النشر تلقائيا في صورة يمكن الاستغناء عنها لأن الزام المجتمع المتواصل بالالتزام هنا يقترب من صيغة المهمة المستحيلة .
في حالة زعيتر لا يعرف وبعد عدة اشهر الشعب الأردني ما هي نتائج التحقيق التي لازالت طي السرية والكتمان وفي حالة أسير الشعب الاردني لدى داعش الطيار الملازم معاذ الكساسبة انتهت منظومة تعليمات منع النشر ودعوة الناس للصمت برواية وحيدة في الأسواق اخترقت اذهان الاردنيين هي حصريا رواية تنظيم داعش الذي لا تشمله بالضرورة تعليمات منع النشر الصادرة عن المؤسسات والسلطات لا في الأردن ولا في العراق ولا في أي مكان آخر .
من السذاجة الإعتقاد بان الآخرين لا يتحدثون عندما يطالب الشعب الأردني بالصمت ومن السذاجة الاعتقاد بان تنظيم داعش يستجيب بدوره للحكمة وللرشد الإعلامي الذي تطالب به مؤسسات الشعب الأردني ولديها شاب في عمر الزهور أسير في سوريا .
المفارقة ان مسؤولين وموظفين رسميين هم الذين يكثرون من اللغو وتقديم بيانات غير دقيقة وغير صحيحة وغير مقنعة في الوقت الذي يطالب فيه الرأي العام بالصمت أو بالحكمة المستحيلة عند القضايا التي توصف بانها حساسة وقد راقبنا ذلك جيدا في ملف ما سمي بـ «كنز هرقل» أو معدات التجسس الإسرائيلي المفخخ. والمفارقة الموازية تتمثل في ان الشعب الأردني يستقي معلوماته عندما تصمت مؤسساته من اعدائه وخصومه سواء كانوا في اسرائيلاو في الرقة والموصل .. مفارقة مجانية لا يمكن الإحتفال بها ونحن نراقب قرارات منع النشر مع وجاهة بعضها في المسائل الحساسة والأهم ان السلطات لا ترعوي عن فعل ذلك حتى وهي تمتنع عن تقديم رواية صلبة أو متماسكة للاحداث تنافس روايات الآخرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق