بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

براءة دكتاتور - باسل محمد

بصراحة، يسجل للعراق بأنه البلد العربي الوحيد الذي حاكم دكتاتوره وأصدر حكما قضائيا بإعدامه وقام القضاء فيه بتنفيذ هذا الحكم، جزاءً له على امعانه في قتل العراقيين وتدمير مواردهم الوطنية بقسوة ووحشية واصرار.
مع تبرئة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك من تهمتي القتل والفساد، تكون مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي برأت دكتاتوراً فاسداً ساهم في تكريس الفقر في حياة ملايين المصريين وسمح بظهور طبقة من رجال الأعمال الذين بالغوا في نهب الاقتصاد المصري والانتفاع منه دون الاكتراث لحقيقة مؤلمة وهي ان مصر في عهد هذا الدكتاتور الفاسد، سجلت المرتبة الاولى في مجال انتشار العشوائيات في المنطقة والتي تعد - أي العشوئيات - من أسوأ مظاهر البؤس والذل في حياة البشر.
المهم، مبارك الآن أصبح بريئاً ورجلاً شريفاً من خلال حكم القضاء المصري، وهذا معناه ببساطة أن الثورة التي قادها الشباب المصري والتي انطلقت في 25 يناير من العام 2011 لتحقيق هدفين هما الحرية والتنمية هي ثورة ظالمة وليست شعبية، وهي ثورة مشكوك بها وربما تكون عبارة عن مؤامرة تم التخطيط لها من الخارج كما سعى البعض للترويج لهذه الفكرة منذ أن بدأ ربيع الثورات ضد الدكتاتوريات في بعض الدول العربية.
كما أن براءة مبارك تعني في أبشع دلالاتها أن البعض يريد صياغة فكرة عبر وسائل الإعلام والثقافة العامة بأن نظام الحكم الدكتاتوري هو نظام مثالي ومناسب للعالم العربي، وبالتالي الاسهام في بلورة انطباع مفاده أن التوجه الى تغيير هذا النظام هو عمل عبثي وغير مجدٍ بدليل قيام قضاء مصر بمنح هذه البراءة للرئيس المصري التي أطاحت به ثورة شعبية.
لا شك أن الفوضى الموجودة في ليبيا وسوريا واليمن وظهور وتوسع الجماعات الارهابية هي متغيرات ساهمت بصورة منهجية في تقوية مراكز القوى التابعة للدكتاتوريات والتي اختارت الاختباء لفترة زمنية، وبدأت تتحرك في الوقت الراهن وتعيد حساباتها مستفيدة من الحملة الدولية على الإرهاب في العراق وسوريا لتحقيق هدفين ستراتيجيين، الاول يكمن في اعادة الاعتبار الى شرعية الحكم الدكتاتوري باعتباره حكماً يستطيع التصدي للقوى الارهابية التي تستعمل الدين كغطاء.
والهدف الثاني يكمن في التفكير بالعودة مجدداً الى السلطة ضمن آليات ووجوه جديدة أو قديمة لأن قسماً من الشارع العربي قد يكون مستعداً لتقبل هذا الأمر، وهو يرى بعينه ما حصل في المنطقة من ظهور تنظيم ارهابي همجي هو "داعش" بكل تداعياته الأمنية والاجتماعية والسياسية.
ولذلك فإن براءة الرئيس الاسبق مبارك من تهمتي القمع والفساد هي محاولة لرد الاعتبار للنظام الدكتاتوري ومراكز نفوذه ورموزه لتسهيل هذه العودة.
كما ان هذه البراءة تمثل رسالة إيجابية الى كل الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة سواء تلك التي تواجه ثورة أو تلك التي لا تزال تترقب أوضاعها الداخلية الى أين ستؤول.
ولذلك فان من البديهي أن يقرأ نظام الرئيس السوري بشار الأسد على سبيل المثال لا الحصر، براءة مبارك بأنها "فال حلو" له للبقاء في السلطة حتى بعد أن يتم القضاء على الارهابيين والتكفيريين الذين جلبوا القتل والدمار والخوف الى الشعوب العربية.
وهنا يمكن القول بأن براءة مبارك هي تعزيز للفكرة المتداولة بأن على شعوب العالم العربي أن تختار واحدا من خيارين: إما النظام الدكتاتوري، الامر الذي يبدد كل المطالبات الشعبية المشروعة بالتغيير والحريات والانتخابات الحرة والتداول السلمي للسلطة، أو أن تختار حكما ارهابيا أو حكم جماعة دينية تشكل تهديداً على الحريات العامة للمواطنين كما كانت تجربة حكم "الإخوان المسلمين" في مصر.
بمزيد من الصراحة، يمكن القول بأن العراق هو البلد العربي الوحيد الذي لا تعنيه هذه الفكرة القائلة بخيارين، إما الدكتاتورية أو الإرهاب والتشدد لأن في بغداد يوجد نظام حكم ديمقراطي انتخابي حر، نشأ منذ البداية على إجماع سياسي بأن تتم محاسبة كل رموز النظام الدكتاتوري السابق بحزم، ولذلك لم يطلق سراح أحد منهم، وجميع الأحكام نفذت بارادة عراقية خالصة.
كما ان العراق برهن - رغم كل التحديات التي مر ولا يزال يمر بها - بأنه لم يسمح بعودة الدكتاتورية الى الحكم رغم أنه موجود في قلب خطر الارهاب الداعشي، وهو واقع يجب على الشعوب العربية أن تقرأه بتعمق لأن ميزة الحالة العراقية هي أن النظام الديمقراطي هو البديل عن الاثنين: الدكتاتورية والإرهاب. 
ولهذا السبب فإن الشعوب العربية ليست مضطرة بأن تبرئ دكتاتوريات أو أن تعيدها خوفاً من الارهاب.
وبعيداً عن التحيز، فإن ما يؤكد صحة نهج الحالة العراقية هو أن هذه الحالة ذهبت الى اصلاح نظامها الديمقراطي وتعزيزه وتطويره عندما سقطت بعض المدن الغربية والشمالية بيد "داعش".
وبالتالي هي رفضت حتى تشكيل حكومة أغلبية سياسية لأن خطر الارهاب دفع السياسيين العراقيين الى التمسك أكثر من أي وقت سابق بالخيار الديمقراطي، كخيار ستراتيجي ووحيد للعراق.
وبعدها شرع هؤلاء السياسيون للمرة الاولى منذ العام 2003 بصياغة رؤية شراكة في الحكم بحيث لم يفكر أحد منهم على الاطلاق باستثمار الخطر الارهابي للتمسك بالسلطة أو الدفاع عنها والتفرد بها، وهو ما يفند تماماً فكرة أن الخشية من الارهاب أو الرغبة في مواجهته تتطلب بالضرورة العودة الى الدكتاتورية.
أما في الحالة المصرية ومع تبرئة مبارك، فإنه يمكن القول بأن مصر الآن متجهة الى نتيجتين:
الاولى هي مضاعفة الانقسام داخل المجتمع المصري وهو ما يمكن أن تستفيد منه الجماعات الارهابية المختلفة، بمعنى اننا نتوقع زيادة في أعمال العنف. 
والنتيجة الأخرى هي أن هذه البراءة تلويح بخيار دكتاتورية مقبلة، لأن نظام الانتخابات بعد هذه البراءة يسمح بأن يقوم جمال نجل مبارك بترشيح نفسه لرئاسة مصر في الفترة المقبلة بعد تبرئته هو وووالده من اية تهم تحظر عليه الترشح لسدة الرئاسة لخلافة والده حتى ولو بعد حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق