بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

حماس مجدداً إلى طهران... بدلاً من رام الله - حازم الامين

لم يطل الأمر بالإخوان المسلمين كثيراً حتى حلّت النكبة بهم. وعبارة «النكبة» هنا مستعارة من القاموس الخلدوني (نكبة البرامكة) ولا تمت بصلة إلى «نكبتنا» في فلسطين، ذاك أن الأولى تمت وفق آليات «صعود الأمم وهبوطها»، فيما النكبة الفلسطينية نجمت عن عامل من خارجها. ويبدو أنحركة حماس (الفرع الفلسطيني للإخوان) التقطت مجدداً مؤشر النكبة وباشرت مغادرة الموقع الاخواني إلى حضنها الأول، طهران. والحال أنها حين همّت قبل سنوات بمغادرة هلال الممانعة، فعلت ذلك مكرهة، فما كان ممكناً لتنظيم سنّي إخواني أن يبقى في دمشق فيما يتولى نظامــها قتل الــسوريين وعلى رأســهم السنّة منهم.
لم تجر حماس في حينه قطعاً كاملاً مع النظام، فالبيان الشهير الذي صدر عن خالد مشعل آنذاك كشف موقع الحركة من الصراع في سورية. فقد أبدى مشعل في بيانه الأول «ثقته بسورية شعباً وقيادة»، لكن كان المطلوب منه أكثر. هكذا احتسب الرجل مقداري الربح والخسارة وغادر دمشق مبقياً فيها مشاعره، وأقام في الدوحة العاصمة غير الآمنة سياسياً والمترنحة بفعل غموض موقعها بين خضوع للمنظومة الاقليمية ومشاغبة لا تبعث على الثقة.
والإقامة غير المديدة في الدوحة تمت على وقع هزائم شرعت تصيب الجسم الاخواني من المحيط إلى الخليج. من مصر إلى تونس، مروراً بسورية والأردن وأخيراً اليمن. وحماس التي لم تختر طائعة موقعها في الحضن الاخواني، كابدت الضربات الموجعة التي تلقاها الاخوان في تجاربهم السيئة في بلدانهم.
اليوم أعلنت حماس استئناف علاقاتها مع طهران. ويبدو أن درجة من مخاتلة الرأي العام كشفتها هذه العودة. فالقول إن استئناف العلاقات السياسية والمالية والعسكرية تم على قاعدة استبعاد الخلاف حول الملف السوري، ينطوي على ميل الى استئناف الموقع والوظيفة السابقين من دون الرغبة في دفع أثمانهما. الاقتراب من طهران اقتراب مما تمثله الجمهورية الاسلامية في الانقسام الذي يشطر المنطقة كلها. اقتراب من موقعها في سورية حيث تشن حرباً شعواء هناك إلى جانب النظام، واقتراب من موقعها في اليمن حيث تقف خلف الحوثيين في حربهم على حركة الاصلاح (الاخوانية). واذا كانت الاستدارة الحمساوية الجديدة غير منسجمة مع الوقائع المصرية، فهي من دون شك تمثل ابتعاداً من الموقع الاخواني في مصر، وهو ما تطمح أن يُخلف بعض الانفراج في علاقتها مع السلطة الجديدة في القاهرة.
وسريعاً ما استعادت الجماعة العبارات «الممانعاتية»، بعدما كانت ابتعدت خطوات قليلة عنها، فها هو مصدر فيها يقول رداً على سؤال عن استئناف طهران تمويل الحركة: «لسنا معنيين بالكشف عن مصادر تمويلنا»! هذا الجواب الذي لطالما أتحف فيه «حزب الله» اللبناني ناخبيه تكرره الحركة مع «ناخبيها». الأمر ببساطة على هذا النحو: لا يحق للفلسطينيين سؤال حماس عن مصادر تمويلها.
لكن أن تعاود طهران الامساك بورقة حماس في لحظة صعود لـ «ديبلوماسية» الجمهورية الاسلامية وتمدد للنفوذ الأمني والعسكري لها، فإن ذلك يعني أننا نقترب من حقيقة تحول ايران إلى امبراطورية بأذرع شديدة التفاوت. وحماس تُدرك أنها هنا ذراع مستعارة، وأنها ليست من صلب المادة التي تؤلف نواة الحلم الامبراطوري، وتدرك أيضاً أن امتحانات قريبة مقبلة تشبه الامتحان السوري ستضعها مجدداً أمام السؤال المذهبي.
سورية سؤال لم تُجب عنه الحركة في علاقتها المُستأنفة مع طهران، والعراق مقبل على استحقاقات مذهبية ستنطوي على مزيد من الدماء بين المذاهب هناك. الحوثيون في اليمن سائرون نحو تعظيم المواجهة مع الاصلاح ومع القبائل السنّية. هذا المسار الصراعي لا يشبه عودة حماس إلى طهران، ولا يُشبه «إخوانية» الجماعة الفلسطينية. وطهران من جهتها لن ترهقها الكلفة، فالاختراق الذي يبدو أنها أحدثته في الجسم السنّي عبر «استعادتها» حماس، أهم بالنسبة إليها من الكثير من انجازات قاسم سليماني الأمنية والعسكرية في سورية وفي العراق.
ثم إن العودة الميمونة إلى طهران والتي ترافقت مع كلام على حاجات حماس العسكرية والأمنية الملحّة والتي لن تلبيها إلا طهران، لن تُقلق اسرائيل كثيراً، فإيران في موقعها الجديد تحولت إلى قوة تفاوضية من وجهة نظر الإدارة الأميركية، وضم حماس إلى محورها مجدداً يُساعد على «إدارة» الصراع وعلى تثبيته في صيغته الراهنة، فيستمر قطاع غزة في وظيفته المتمثلة في تلبية الحاجة الاسرائيلية الى غياب الشريك، مع قدرة أكبر على الضبط هذه المرة بفعل قنوات التفاوض المستجدة، وتتخبط سلطة رام الله بمزيد من الوهن.
ويبقى سؤال أخير هنا، هو: كيف ستدير حماس موقعها الجديد في ظل إقامتها بين الدوحة وأنقرة؟ فالإقامة وسط هذا المقدار الكبير من التوازنات غير المستقرة يوقع الحركة في وضع مستحيل. فوفد حماس الذي زار طهران أخيراً تمهيداً لزيارة مشعل إليها، أقدم على ذلك في لحظة اقتراب الدوحة من الرياض وقبول قطري بالشروط الخليجية ومن بينها طبعاً الملف الخليجي. كما تمت الخطوة في ظل مزيد من التباعد بين طهران وأنقرة. وصحيح أن ذلك يجعل من الإقامة في الدوحة أمراً صعباً وغير مريح، إلا أنه يطرح على حماس أيضاً احتمال الإقامة في طهران.
وطهران هذه المرة ستكون غير طهران التي زارها خالد مشعل قبل اندلاع الثورة في سورية. فطهران عاصمة الامبراطورية المذهبية الأخرى، وهي قصر خليفة الآخرين، وهذا ما لن يقبله قسم أساسي من الجسم الحمساوي، وما لا ينسجم مع المضمون الاخواني لوجدان الحركة الفلسطينية. ويبدو أن ثمة مؤشرات جدية إلى ذلك بدأت تلوح، وكلام على أجنحة حقيقية داخل حماس. فماذا يبقى من خالد مشعل إذا قرر أن يدير الصراع مع فتح من طهران، وأن يتفاوض مع الاسرائيليين من هناك؟
الأكيد أن طهران ستنعم بهذا الاختراق ولن يصيبها الاحباط من حياد حماس في الملف السوري. هي أصلاً لا تحتاج إلى أكثر من حيادها هناك. لكن المؤكد أن الثمن الذي ستدفعه الجماعة الفلسطينية نتيجة إقامتها في طهران سيكون أكبر مما لو استخدمت الهزائم الاخوانية فرصةً للتوجه إلى رام الله بدل طهران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق