بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

كشف المستور - د. كريم شغيدل

لطالما رددنا على مدى سنوات بأن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب، فهما جرثومتان متلازمتان، ولطالما أتحفتنا شاشات الفضائيات ببعض المسؤولين الذين ينتقدون الفساد، لكنهم في الواقع خير من يمثل الفساد.
أشد أنواع الفساد هو ما يمس أمن المواطن، فوجود50 ألف اسم وهمي في أربع فرق عسكرية، هو أمر مروع، وهذا يعني هدراً شهرياً ثابتاً للمال العام، ويعني 50 ألف بندقية وخوذة وبدلة عسكرية وتجهيزات أخرى، ويعني ضياع 50 ألف فرصة عمل على شبابنا العاطلين عن العمل، وفيهم الآلاف ممن يتمنون خدمة وطنهم بأمانة والعيش بكرامة، فظاهرة (الفضائيين) في الأجهزة الأمنية، الدفاع والداخلية على حد سواء، ظاهرة لا يمكن السكوت عليها، ونحن بدورنا نؤيد نهج رئيس الوزراء وكل المسؤولين في حكومته ونشد على أياديهم لمكافحة هذه الآفة التي تذكرنا بما كان سائداً في جيش الخليفة العباسي الذي لم يستمع لنصائح وزيره ابن العلقمي بمراجعة سجلات الجند، بينما كان المغول يقفون على أسوار بغداد، فقد احتوت سجلات الجيش العباسي آلاف الأسماء الوهمية التي تذهب رواتبهم إلى جيوب القادة.
قد يقول قائل ان الوقت غير مناسب لهذا الكلام بسبب الحرب ضد "داعش"، ونحن نقول إن نصف المعركة مع "داعش" يتمثل بالقضاء على الفساد، فخمسون ألف إذا ما كانوا جنوداً حقيقيين ومجهزين ومدربين سيشكلون عامل حسم في العديد من المعارك، وذلك عدا أجهزة كشف المتفجرات عديمة الفائدة، ومرور الناقلات الكبيرة بدون تفتيش من بعض المعابر، وقد آن الأوان لكشف المستور حرصاً على مصلحة البلد، وحفاظاً على أمن المواطن، فحوادث الفساد أصبحت اليوم حديث المجالس والأماكن العامة، ولعل آخر ما سمعته هو قيام مدراء بعض المدارس بالاستغناء عن بعض المحاضرين ممن أصدرت وزارة التربية أمراً بتعيينهم واستقدام محاضرين آخرين بدلاً عنهم مقابل رشى مقبوضة، وهناك مديريات حيوية في وزارة الداخلية تدار من قبل مفوضي أمن سابقين يتبجحون بذلك ويصدرون الأوامر بدلاً عن مدرائهم، وعوائل كاملة مكونة من أربعة أخوة أو أكثر لا أحد يراهم إلا في يوم الراتب، أما أبناء بعض المسؤولين فحدث ولا حرج. 
وفي الحديث عن الفساد غصة ومرارة لم تعد تحتمل، ونحن هنا لا نستهدف أحداً بعينه، ولا نبغي من وراء ذلك تسقيطاً أو إساءة لأجهزة الدولة، لاسيما مؤسساتنا الأمنية التي تخوض اليوم معركة الشرف والكرامة لتطهير العراق من دنس العصابات التكفيرية "داعش"، وما الفساد إلا خيانة لدماء الشهداء والجرحى، وتشفياً بأرواحهم وآلامهم، كما هو خيانة للرابضين في سوح الوغى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق