بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

غارات إيرانية على داعش… ونظام إقليمي جديد

كشفت وزارة الدفاع الامريكيةعن ان مقاتلات ايرانية شنت ضربات ضد تنظيم «داعش» في شرق العراق خلال الايام الماضية، وهو ما رفضت طهران تأكيده او نفيه رسميا.لكن المتحدث باسم البنتاغون قال انه «لم يتغير شيء في ما يتعلق بسياستنا القائمة على عدم تنسيق انشطتنا مع الايرانيين». اما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فسعى ضمنيا امس الى تشجيع ايران على شن المزيد من الغارات في العراق، اذ قال أن أي ضربة عسكرية إيرانية لتنظيم «داعش» في العراق ستكون»إيجابية». 
وبغض النظر عن وجود «تنسيق استخباراتي ما» بين الجانبين من عدمه، فان المشاركة الايرانية المباشرة تشكل نقطة تحول مهمة في الحرب ضد داعش الذي يعتبر مراقبون انه بدأ يفقد السيطرة تدريجيا على مناطق في العراق، كما انه لم يعد يحقق تقدما في سوريا اثر تعرضه لنحو الف غارة جوية من طائرات التحالف الذي اكد في بيان امس الاربعاء اثر اجتماعه في بروكسل انه «تم وقف تقدم»التنظيم في العراق وسوريا.
وينبغي هنا التوقف عند محاور رئيسية تعيد صياغة هذه الحرب التي يتوقع ان «تستمر لسنوات» حسب التصريحات نفسها للوزير كيري.
اولا- ان المشاركة الايرانية في العراق، تمثل برهانا جديدا على التقارب الذي يتحرك ببطء لكن بثبات نحو التحالف مع الولايات المتحدة او «الشيطان الاكبر» كما كانت تسمى في الخطاب السياسي التقليدي لطهران. ولاشك انها تعكس التقدم المهم الذي شهدته المفاوضات النووية مع الغرب رغم عدم الوصول الى الاتفاق ضمن المهلة المحددة. وحسب تصريحات لوزير الخارجية جواد ظريف قبل يومين فان اطرافا غربية رأت ان تمديد المهلة لعدة ايام فقط بدلا من سبعة شهور كان كافيا للوصول الى اتفاق.
ثانيا- ثمة اعتبارات سياسية واستراتيجية تقف وراء قرار طهران ان تشن الغارات، رغم ان المعطيات على الارض في العراق لا تبرر تدخلها حسب الشرط الذي كانت اعلنته وهو»حدوث تهديد من قوات داعش لبغداد او المراقد الشيعية المقدسة». اي ان الامر لا يقتصر على «مغازلة» واشنطن، اذ ان هناك مصلحة مشتركة في اضعاف داعش الذي سيؤدي تلقائيا الى تقوية حلفاء طهران سواء في العراق او سوريا. اما على المستوى الاستراتيجي فان التدخل يرسم بوادر «نظام اقليمي جديد» تشغل فيه ايران مكانا متقدما بتأييد ودعم كاملين من واشنطن، لكن من دون تحالف معلن معها.
ثالثا- ان حديث كيري عن استمرار الحرب ضد داعش لسنوات، يشير الى ان التحالف الدولي يسعى الى ترسيخ وجوده كنواة لاعادة ترتيب التوازنات والعلاقات اقليميا، بما يدفع باتجاه ما يمكن وصفه بـ «التعاون العملي للاضداد»، اذ ان النموذج الايراني الامريكي قد يتسع ليشمل امثلة اخرى ترسم تقاطعا عربيا اسرائيليا واخر ايرانيا خليجيا او مصريا او اسرائيليا. ويبدو ان البوادر بدأت في الظهور فعليا. وحسب التصريحات نفسها لجواد ظريف، فان طهران تمكنت من القضاء على ما كانت تواجهه قبل شهور فقط من اجواء دولية واقليمية معادية لم تنقصها التهديدات بالحرب، ووصفها الوزير بـ «ايران فوبيا».
واخيرا فان هذا النظام الجديد يطرح العديد من الاسئلة والتحديات الصعبة عراقيا وسوريا واقليميا. اما بالنسبة الى العراق، ان كان التدخل الايراني سيصب في خانة الصراع الطائفي الذي يبقى مستعرا حتى بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وبالتالي يدفع البلاد الى الانفجار من الداخل؟ وكذلك ماهية امكانية ان يخرج من «العباءة الايرانية» وهو ما يشكل شرطا ليتمكن من استعادة التوازن في علاقاته الاقليمية؟
اما سوريا، فيبدو ان التطورات الجديدة تكرس اتفاقا اقليميا ودوليا ضمنيا آخذا في الاستقرار، يتحدث ظاهريا عن «عدم شرعية الاسد حتمية الحل السياسي»، لكنه يضمر اقرارا واقعيا ببقاء النظام ضمن ذلك الحل. 
اما على المستوى العربي، فان السؤال البديهي هو: هل يملك العرب القدرة او الارادة لمواجهة ما يمثله هكذا نظام اقليمي من تحديات ليس فقط لمكانتهم بل ووجودهم نفسه؟ ام سيكونون كمن استعان من رمضاء داعش بنيران تحالف ايراني امريكي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق