بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

أيها الوزير عرّف نفسك! - جاسر الجاسر

مشكلة كثير من المسؤولين أن لا أحد يعرف أهدافهم وخطط عملهم، فهم يسبحون في فضاء مفتوح لا وقود له سوى الحماسة وفورة الجدة والنشاط، ثم تغرقهم المناسبات واللقاءات وحفلات التكريم إلى درجة أن الأمكنة التي تضم أكبر عدد من الوزراء، إضافة إلى مجلس الوزراء، هي حفلات الزواج التي لا يحبسهم عنها سوى سفر أو
مرض. لذلك، فإن مثل هذا التآكل هو أكبر أسباب الخوف على كل مسؤول كبير تجرفه الإغراءات فينسى وظيفته الأساس، أما الإعلام فهو إما تحت الســــيطرة وإما يمكن إضعافه بالإعلانات الوزارية التي أضـــحت ظاهرة متفشية تنافس المنتجات التجارية.

المفترض أن كل وزير يقدم خطة عمل بجدولها الزمني والتزاماتها المالية وجدواها الخدماتية حتى يمكن محاسبته ومساءلته في نهاية كل عام عما تحقق وما تعطل، تأكيداً أن الوزارة تكليف وأن الثقة تقتضي العمل الجاد وتسجيل المنجزات خصوصاً أنه توافرت له الإمكانات والاعتمادات.
المهم أن يتعرف الناس إلى الوزير حتى لا تعود دوامة المراكز الصحية التي يلاحقها المواطن منذ عام 2000 من دون أن تموت أو تحيا. أن يعرف الفرد متى سيحصل على سكنه باليوم والساعة. أن تكون خطط التوظيف جداول زمنية وليست ورش عمل وجلسات ونقاشات.
أول الوزراء الجدد كشف عن نفسه هو وزير الشؤون الاجتماعية سليمان الحميد الذي أعلن وزارته للمساكين «وأريد أن أكون مسكيناً مثلهم وأصبح مثلهم». هذه الرسالة الجميلة هي التزام معلن من الحميد بأنه سينفض عن هذه الوزارة كل سكونها ويمنع رقادها في مكاتبها لتكون صوت الذين لا صوت لهم ولا سطوة. هذه النبرة ترفع التفاؤل عالياً إلا أن المهم أن تتطابق الخطوات العملية معها لتجعل المساكين مثل الوزير لا أن يكون مثلهم فقط.
لا يتم اختيار الوزير بحكم رصيد الشهادات والخبرات فقط، بل المرتكز الأول هو القدرة القيادية والحزم والسرعة والبراعة في فتح الأبواب المغلقة فإن سار على الدرب البيروقراطي واستكان إليه أصبح مجرد موظف كبير لا يتحرك خطوة من دون مشورة وسيُغرق بالأوراق والملفات والإجراءات.
ربما لم يلتزم توفيق الربيعة بالأنظمة التقليدية حين لجأ إلى التشهير بالمخالفين، لكنه أفرد مظلة تحمي المستهلك من تعالي التجار وإنهاك الإجراءات. عادل فقيه أدرك أن ثقافة البيروقراطية سترمي به في رمال متحركة فأنشأ وزارة موازية تعرف حقاً أن الوقت كالسيف وتخشى، جــــداً، من أن يقع على عنقها فاختزل السنوات، وأسس منظومة لن يتعب أي وزير بعده في إدارتها إن لم يفسدها. محمد العيسى اصطدم بمقاومة وممانعة نابعة من السطوة التقليدية والهيبة الاجتماعية لمنسوبيه إلا أنه تجاوزها ليجعل العدل مؤسسة تختصر الإجراءات والقضاء باب حسم لا تأخير وعطلة حتى لكأن محاولات إعاقته تزيده همة ونشاطاً.
كل هؤلاء استخدموا صلاحياتهم الكاملة وأعلنوا مهاراتهم القيادية. بالمناسبة هم أقل الوزراء ظهوراً في الزواجات وتردداً إليها.
للمناصب دورتها فلا يبقى سوى الفعل والأثر فلو بدأ الوزراء الجدد في تحديد طرقهم لأمكن التعرف إليهم ورسم مؤشر التفاؤل في مسيرتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق