بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

قرارات جحا لا ترضي احدا !

يروى أن جُحا كان يسير في إحدى القرى راكبا حماره فيما كان ابنه يمشي خلفه، فلما رأوه أهل القرية انتقدوا تركه ابنه الصغير يمشي فيما يركب هو حماره، فسمع همزهم ولمزهم.. ثم طلب من ابنه أن يركب الحمار ويسير هو ماشيا، ولما رآهما حشد آخر قالوا: «شاهدوا هذا الابن كيف سمح لنفسه أن يركب ويترك والده المسن يمشي خلفه؟!».. فسمع ذلك الولد وأصر أن يركب والده معه، ولما اقتربا من قوم آخرين أثار ذلك امتعاضهم، فقالوا: «ما أقسى هذين؛ كيف سمحا لنفسيهما بركوب هذا الحمار الضعيف الذي لا يقوى على حملهما؟!»، فغضبا أيما غضب من كلام الناس.. فقررا أن يحملا معا الحمار ويسيران به! ولما رآهما الناس ضحكوا ضحكا شديدا.. فأصبح جحا وابنه أضحوكة في القرية. 
وصارت هذه القصة الرمزية مضربا للمثل في مصير من يصبح أسيرا لكلام الناس. وما يهمنا من هذه القصة التي نواجه ما يماثلها على مدار العام، أن الفرد حينما يقرر أمرا ما فلا بد أن يعود إلى قيمه values التي يؤمن بها، أو تعاليم دينه مثلا، لأن أدبيات اتخاذ القرار تنص صراحة على أن عملية اتخاذ القرار تنبع من قيم فردية راسخة.. فحينما يدعوك مسؤولك إلى أن تكذب، أو تختلس، أو تظلم، أو تمشي بين الموظفين بالنميمة لتشعل نار الفتة بينهم، انطلاقا من مبدأ «فرق تسد»، فذلك رده الرفض، لأنه يتصادم مع قيمك. هكذا مع مرور الوقت يحترم الآخرون قراراتك لأنها تنطلق من مبادئ ثابتة. وهذا ما يفسر سبب واقعية مثل «الطيور على أشكالها تقع» حينما يعين بعض المسؤولين الفاسدين بطانة فاسدة حولهم ليعينوهم على اتخاذ أسوأ القرارات غير آبهين بكلام الناس. 
ونعتبر من قصة جحا، أن كل قرار نتخذه في حياتنا سيواجه بردود فعل؛ بعضها مفيد، وبعضها متسرع أو تهكمي لم يبن على أساس موضوعي.. هنا يكون أمر تجاهله قرارا وجيها. 
وكلما كان القرار مرتبطا بعدد كبير، مثل شعوب بأسرها أو جيش من الموظفين في قطاع كبير، فمن البديهي أن تكون ردود الفعل بحجم جمهور المتلقين. وهنا تكمن أهمية دراسة القرار من جميع الجوانب باستشارة المتخصصين، والاستفادة من أخطاء الماضي، وجمع المعلومات الكافية، قبل اتخاذه. 
تجدر الإشارة إلى أهمية أن يعي متخذ القرار أن ليس كل قرار كاملا، فالكمال لله وحده، لأن الحياة عبارة عن اجتهادات. ولذلك، فإن المصابين بداء المثالية Perfectionazim يراوحون في مكانهم فيما قطار الإنتاجية يفوتهم، لأنهم لم يدركوا حقيقة قوله تعالى: «فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلينَ». 
ولو أدرك كل متخذ قرار أن «إرضاء الناس غاية لا تدرك» لهان عليه الكثير من معاناة لحظة اتخاذ القرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق