بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 6 ديسمبر 2014

«فضيحة» التسريبات العسكرية حول اعتقال مرسي

تفاديا لانهيار محاكمته طبقا لقانون اجراءات المحاكمات المصري.وبداية يجب ملاحظة ان احدا من المصريين الذين يعرفون جيدا أصوات بعض القيادات العسكرية المشار اليها في التسجيلات وخاصة اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، لم يشكك في صحتها. كما ان
«الصمت الرسمي الرهيب» الذي قوبلت به يرجح صحتها ايضا، والا سارع المعنيون بها الى نفيها وعرضها على خبراء فنيين في الصوتيات لاثبات انها مفبركة، وهو اجراء تقليدي يحدث في العديد من القضايا. والاغرب ان النائب العام لم يجر اي تحقيقات ايضا قبل الحكم بفبركتها، رغم ان المزاعم بالتآمر والتزوير، حسب التسجيلات، تطاله شخصيا الى جانب اثنين من ابرز وكلائه.

وهكذا في حال افترضنا نظريا صحة التسريبات، المزعومة قانونيا ومهنيا حتى يثبت العكس، فاننا نقف امام فضيحة مكتملة الاركان، ومتعددة الاوجه اذ تشمل مصداقية المؤسسات العسكرية والامنية والقضائية، ومدى التزامها بالقانون الذي يفترض ان تكون الحارسة على تطبيقه.
ولعل السؤال الأبرز والأكثر خطورة حتما الذي تطرحه تلك التسجيلات هو: من الذي يستطيع ان يسجل لوزير الدفاع وكبار قيادات الجيش أحاديثهم الخاصة في مكاتبهم؟ 
ليس هذا اختراقا خطيرا فحسب، بل إنه نوع من «الانهيار الأمني» الذي يشي بسيناريوهات واحتمالات كارثية. 
ويجب ملاحظة ان هذه التسريبات ليست الأولى التي تخرج من وزارة الدفاع، بل انها لم تتوقف منذ تسرب التسجيل الكامل لأول حوار صحافي أجراه السيسي عندما كان وزيرا للدفاع. وتؤكد هذه الحقيقة وجود «اختراق أمني مستمر» في الجهة المنوط بها حفظ أمن الوطن وسلامته. وتطرح اسئلة مؤلمة بشأن ما اذا كانت هناك تسجيلات أخرى تشمل اسرارا عسكرية للبلاد؟ وكذلك هوية الجهة التي تقف وراءها.
وبالطبع فان هذا الأمر المحير والخطير يفتح الباب أمام تكهنات وشائعات وتحليلات عديدة بدأت تتكاثر في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن التأكد من صحتها، بينها وجود أجنحة داخل المؤسسة العسكرية، وجهاز المخابرات الحربية تحديدا، تعارض كافة الاجراءات التي حدثت منذ عزل الرئيس محمد مرسي. ولا يعني هذا بالضرورة انها مؤيدة لجماعة الاخوان. لكنها تعبر عن صراعات وتقلصات بشأن اداء السيسي، وبالتالي فانها تعمل على اضعافه تمهيدا لاطاحته، او تحتج على التوزيع الاخير للمناصب القيادية داخل الجيش، بعد ان دفع السيسي بصهره محمود حجازي ليكون رئيس الاركان، وبالتالي اصبح تلقائيا الوزير المقبل للدفاع، متجاوزا قيادات اخرى اعتبرها البعض احق بالمنصب. 
ولا تسمح الطبيعة الصارمة وشديدة السرية للمؤسسة العسكرية بمناقشة او التحقق من هكذا تكهنات، الا ان موقفها الطبيعي سيكون نفيها بشدة. 
اما الاحتمال الذي لا يقل كارثية فهو ان تكون التسجيلات تمت بتدخل خارجي مباشر من جهات امنية محلية او اقليمية او اجنبية يهمها افساد المخطط الحكومي الرامي الى القضاء على جماعة الاخوان، وابقاء قياداتها في السجن للابد، وربما اعدام بعضهم. 
وعلى اي حال فان عدم معالجة قضية التسريبات بحسم وشفافية كاملة ايضا، سيؤدي الى تآكل تدريجي وخطير في الثقة العالية التي يكنها المصريون تقليديا للمؤسسة العسكرية.
أما على المستوى القضائي، فإن التسجيلات المزعومة، وفي حال ثبتت صحتها، تقوض مصداقية النيابة العامة من أساسها، حيث انها تزعم ان النائب العام هو من طلب من اللواء شاهين التحرك لانقاذ القضية ضد مرسي، بأن أوفد إليه عضوين من النيابة العامة شخصيا، وحدد له المطلوب وهو ورقة مزورة بتاريخ قديم من وزارة الداخلية تفيد بانشاء سجن خاص قانوني في موقع اعتقال الرئيس المعزول تفاديا لانهيار المحاكمة. أي أن النيابة العامة لا تمثل مصالح المجتمع بل النظام وخاصة المؤسسة العسكرية التي هي طرف أساسي في القضية. 
إلا ان الدفاع عن مرسي مازال يستطيع استخدام التسجيلات للطعن في قانونية المحاكمة، وطلب الافراج عن مرسي فورا، بأن يطلب عرضها على خبير في الصوتيات، لتبيان مدى صدقيتها، خاصة ان العقوبة في قضية ما يعرف بـ «التخابر» تصل إلى الإعدام.
واخيرا فقد استمع المواطن المصري الى كلمات وعبارات صادمة حقا في تلك التسجيلات، ومنها « التزوير على ميه بيضاء»، واخرى غير لائقة بقيادات عسكرية مهمتها الدفاع عن القانون وليس التحايل عليه، ما يطرح سؤالا بديهيا حول طبيعة النخبة الحاكمة، وصدقية ما يتردد عن عزم النظام إقامة «دولة قانون» وما إلى ذلك من شعارات. اما السؤال الأكبر فهو الى أين تتجهمصر مع كل هذه الاختراقات والارتباك والغياب الفادح لحد أدنى من كفاءة أو رؤية سياسية متماسكة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق