بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

تحوّل في مكانة الأردن - محمد برهومة

يبدو جديراً بالنقاش ما قاله محللون أردنيون من أن مكانة الأردن في الحرب الجارية ضد الإرهاب قد تفوق، بالنسبة الى الولايات المتحدة، على مكانة إسرائيل. لكنّ الأردن، من الناحية الاقتصادية، يخسر جرّاء هذه الحرب موقعه المتوسط بين دول المنطقة، بوصفه نقطة التقاء لخطوط التجارة، ومحطة انطلاق لمختلف الجهات. ويميل هؤلاء المحللون إلى اعتبار ذلك تحوّلاً جوهرياً في مكانة الأردن الإقليمية.
وعلى حين قامت سياسة الأردن لعقود، حين كان يلتهب الإقليم والجوار، على تعزيز أهمية الحوارات والتفاهمات الداخلية لديه، نراه اليوم منشغلاً بمواجهة أية بؤرة تطرف أو إرهاب محتملة بين صفوف مواطنيه، قد تغذيها خطب المساجد أو المناهج الدراسية وغيرها.اليوم يعدّ الأردن، عربياً ودولياً، لاعباً أساسياً في إطار التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في العراق وسورية، وقد قال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري مؤخراً إن الاردن يمكن ان يكون له «دور كبير» في تدريب القوات الامنية العراقية التي تخوض معارك ضد تنظيم «داعش».
وكان رئيس الوزراء الاردني عبدالله النسور قد أوضح لنظيره العراقي حيدر العبادي خلال زيارته عمان في 26 تشرين أول (اكتوبر) الماضي أن «الأردن لديه واحد من أفضل مراكز التدريب للإعداد الشرطي، وسبق أن دربنا 63 ألف عنصر أمن عراقي». من جانبه أعلن وزير الدفاع الفرنسي، جان ايف لودريان، الأربعاء الماضي، أن فرنسا ستنشر ست طائرات «ميراج» في الأردن لتضاف الى طائرات «رافال» التسع المتمركزة حالياً في الإمارات، بهدف المشاركة في الغارات على تنظيم «داعش».وكانت صحيفة «الحياة» ذكرت أن الولايات المتحدة ودولاً عربية «مهمة» تسعى إلى توحيد القوى والفصائل السنية المسلحة والعشائر العراقية، تمهيداً لعقد مؤتمر موسع على غرار «مؤتمر عمّان» الذي عقد قبل شهور، وتمثلت فيه فصائل وجهات معارضة للعملية السياسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن وسطاء عرباً عقدوا، خلال الأسبوعين الماضيين، لقاءات عدة مع عدد من قادة فصائل وشيوخ عشائر في الأردن وأربيل لتسوية الخلافات بينهم، ودعوهم إلى «التفكير في مستقبل مدنهم بعد طرد الدولة الإسلامية منها».
في الجوار السوري، وعلى الملف الساخن الآخر على حدود الأردن، ينبّه محللون إلى مسألة ارتهان السعودية إلى الممر الأردني لدعم الفصائل المسلحة السورية التي تمولها، ويشيرون إلى أن المعبر الأردني مُمسك بقوة وتحت الملاحظة الدقيقة للإدارة الأميركية التي أوقفت عبور المساعدات في العديد من المناسبات الحاسمة. ثم إن تقدم «الثوار» السوريين في الجبهة الجنوبية يسير، وفق هؤلاء المحللين، غالباً بما لا يقطع الشعرة بين الحكومة الأردنية والنظام السوري. فمثلاً لا تقتحم فصائل المعارضة معبر نصيب بصفته المنفذ الأخير نحو الأردن، ولا تقطع الأوتوستراد الدولي بين عمّان ودمشق.
هذه التقاطعات التي تكتنف المشهد المتحرك بجوار المملكة الأردنية تؤكد أن غلبة التحديات الأمنية والعسكرية ستمتد على ما يبدو لسنوات قادمة، وهذا سيفرض تفاعلاته القوية على النمط المستجد لمكانة الأردن الإقليمية وعلى المعادلة الداخلية الأردنية أيضاً، التي من المهم ألا تكتفي برد الفعل تجاه العوامل الخارجية والتعاطي معها بحرفية وبصيرة وسعة أفق، لأن ذلك سيكون قاصراً، على أهميته الكبرى، إذا لم يكن مدعوماً بتعزيز حالة الرضا الشعبي على المستويين السياسي والاقتصادي: إصلاحاً ديموقراطياً وعدالة اجتماعية وتطبيقاً للقانون على الجميع ومحاربة الفساد.

* كاتب أردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق