بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

الوزارة الشعبية - محمد الساعد

في شهر آب (أغسطس) 2003 دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز -عندما كان ولياً للعهد- مشروعه الإصلاحي الكبير، كان يعرف «الأمير» أنه يمضي بالسعودية نحو 100 عام أخرى، فقبلها بخمسة أعوام كانت السعودية تحتفل بالمئوية الأولى لدخول الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- إلى الرياض عام 1919.
بدأ المشروع الإصلاحي بإطلاق الحوار الوطني الذي لم ينتهِ بالانتخابات البلدية، بل استمر إلى حد السماح بترشح وانتخاب المرأة في أول مؤسسة مدنية منتخبة في المملكة، إضافة إلى تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى من النساء، واكتمال أجزاء كبيرة من مشروع إصلاح القضاء والتعليم وتوسيع هامش التناول الإعلامي، وإشراك المواطنين بشكل واسع في إدارة البلاد.
المشروع الكبير الذي يقوده الملك لم يقتصر على المشاركة السياسية فقط، بل شمل أيضاً مشروعاً تنموياً مدنياً متحضراً وطموحا، يهدف إلى نقل السعودية من دولة القرن الـ20 المثقلة بموروثات اجتماعية قاسية، وبيئة صعبة كانت تكسي مدنها وقراها قبل دخول النفط، إلى مشروع دولة القرن الـ21 «المعرفية المتعلمة والمتمدنة»، ويأتي على رأس تلك المشاريع الطموحة ابتعاث أكثر من 150 ألف طالب وطالبة ليكون تاجها وحلتها القشيبة.
وقبل أسبوعين من صدور الموازنة السعودية أعاد الملك السعودي «المحبوب» تموضع وزارته التي تشكلت عام 2005، وضخ فيها تسع حقائب، ليكون بذلك قد غيَّر أكثر من ثلثي الوزراء منذ توليه عرش البلاد.
الوزارة في شكلها الجديد أصبحت وزارة هجومية، بمعنى أن تكون الوزارة القادرة على استكمال رؤية الملك الإصلاحية، والانتقال بالتنمية إلى زوايا ومضائق الحياة اليومية للناس.ففي علم الإدارة -كما وصفه الوزير غازي القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة- «تأتي الوزارة الهجومية إحدى خيارات المسؤول الإدارية، ويبدو أن الملك قد وقع اختياره على هذا النوع من الوزراء القادرين على تحقيق أعلى معدلات الرضا الشعبي.
فالوزارة لم تعد منصباً شرفياً عالياً في التراتب الطبقي للمجتمعات، وهي أيضاً لم تعد تلك الوظيفة «البراقة»، ولا صاحبها ذلك الكائن المخلوق من هالة الغرور والغموض.
بل تحولت لتكون واحدة من أخطر الوظائف وأشدها حساسية، فالوزير أصبح ملاحَقاً من الجماهير، ويخضع للمحاسبة الآنية والقاسية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولعلنا نرى تسارع تلك الإجراءات الإدارية الهجومية في القطاعات الخدمية خلال الأسابيع المقبلة.
لقد أصبح الوزير مواطناً، بعدما أنزله عبدالله بن عبدالعزيز من مكتبه الوثير إلى الشارع، ليقف صفاً بصف وكتفاً بكتف مع المواطن، فبغير الوزارة الهجومية ستبقى حياة الناس مجرد بريد ومعاملات ورقية، تذهب في الحقائب الجلدية الفاخرة، لتعود ممهورة بشروحات وزير لا يعلم عن حياة الناس شيئاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق