بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

1000 يوم ثورة وائل عبد الفتاح

ـــ 1 ـــ
مرت الألف يوم الأولى.
هكذا يمكن أن يصف المتفائل مشاعره في اتجاه لحظة قريبة أو بعيدة تحقق فيها الثورة هدفها، أو تنهي فيها النظام الذي يبدو للمتشائم أقوى من خريفه.
بين التفاؤل والتشاؤم مساحة واسعة من الجدل وصراع القوى في مصر بين فكرتين كبيرتين: هل تستمر دولة مؤسسات الآلهة، ويحكم كهنوت السلاح (العسكر) أو الدين (الإخوان)؟ أم تبزغ تباشير دولة المواطن؟
هذا صراع غير معلن، لأن الأطراف القديمة تدافع عن أرضها باعتبارها «حقاً طبيعياً» ولا تتخيّل أن
هناك من يُحاول تكسير العقد الاجتماعي الذي يقاوم مفهوم «الأمن القومي» بمعناه المطاطي الغامض، الساكن في «صندوق أسود» لا تعرفه إلا أجهزة المخابرات، أمن الدولة ومن هنا تأتي تسميتها بـ«السيادية»... فهي سيدة قرارها، وبالتالي سيدة على الدولة وعلى المجتمعات المتعلقة في ذيل الدولة.
تحب الأجهزة السيادية إلغاء المساحة والعودة إلى التفاؤل والتشاؤم، لأن هذه لعبة الآلهة، وملعب قوتها، وخبرتها قديمة في ضبط إيقاع المجتمع على موجة يمكن السيطرة عليها... لكن الجدل يُنزل السيادي من كهونته ليعيد تعريف مصطلحاته، ويخرجها من صندوقه الأسود... في ظل صدمة جمهور تعوّد على أن تكون هذه الأجهزة حاكمة لأن هذه طبيعة الامور، وأن المهم إصلاحها لا تفكيك قبضتها أو عودتها إلى حجمها الطبيعي، أجهزة أمن تعمل بكفاءة من أجل حماية المواطن، الفرد.. لا حماية السلطة وتجلياتها في المنشآت والبنايات الرمزية.
ـــ 2 ـــ
السياسة تفكّك القداسة فعلاً.
ومناقشات الدستور قد لا تنتج سوى «دستور ابن المرحلة الثالثة» في رحلة الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية... لا خريطة لتلك الرحلة ولا نماذج ولا أدلة، زعماء وهذا سر 25 يناير ونقطة ضعفها.
الدستور المقبل غالباً سيكون «مؤقتاً» يرتبط استمراره بقدرة «تركيبة 30 يونيو» على تفعيل عناصر قوتها، ودفع «التسييس» إلى درجات يمكنها طرح كل التابوهات للمناقشة ومن ثم تتفكّك أسرار الآلهة وكهنتهم بالتدريج، في وقت يندفع المجتمع كله إلى صدام بلا عودة مع جماعة «الإخوان المسلمين» مما تستحيل معه «التسوية».
هذه أوضاع مقلقة ويتجسّد قلقها في صراع داخل تركيبة 30 يونيو، حيث يتحرّك السلطوي من منطق «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» لتستبدل مطالبات بإعادة الهيكلة وتطوير كفاءة أجهزة الأمن وتغيير عقيدتها بحملات غازية تجسّد الشعار الذي قاله وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في اجتماع الحكومة: «نحن على الجبهة... وأنتم لا تساعدوننا...»... وحسب عقليته القديمة فإن الأجهزة ستنجح بمزيد من السلطات والصلاحيات والحماية... ولهذا كان الإلحاح على قانون «التظاهر».
وبينما معركة قانون التظاهر فعّالة، وكاشفة تقع جريمة كنيسة الوراق بما تفضحه من عدم الكفاءة الأمنية إلى جانب طبعاً ذهاب التنظيمات الإرهابية خطوة كبيرة في طريق عنصريتها القبيحة.
ـــ 3 ـــ
... وفي النهاية ماذا كانت تريد الثورة؟
لم يكن التفكير منذ 1000 يوم إلا في إزاحة مبارك وضباطه وعصابته، حتى هذه الفكرة، التي كانت حلماً مستحيلاً قبل 25 يناير 2011 لم تتضح إلا خلال الـ18 يوماً وبالتدريج مقاومة لمحاولة «النظام» امتصاص الصدمة، ودفاعاً عن «حلم الدولة المحترمة» الغامض في معناه وشكله والطريق لتحقيقه.
كل الأسئلة الصعبة تمّت تنحيتها جانباً: ماذا تفعل مع مؤسسات الدولة وأعمدتها الاساسية؟ مَن هي القوى السياسية التي ستفاوض «مركز قوة» الدولة القديمة... وقبل هذا تفاوض؟ أم تطهّر؟ وكيف تطهّر وتهدم من دون قوة مسلحة؟

الأسئلة تعود مع كل مرحلة انتقالية... ويعود معها القلق من الوصول إلى مرحلة انفلات لا رجعة منها.
"السفير"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق