بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

تحذير حكومة الكويت - علي إبراهيم

لا يبدو أن هناك ما يقلق اقتصاديا في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعد أهم منطقة لتصدير نفط في العالم. فأسعار النفط عند مستويات تاريخية مرتفعة فوق الـ100 دولار للبرميل، وحجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الست قفز إلى نحو 1.5 تريليون دولار. وحسب حجم كل دولة وموازين المدفوعات والحساب الجاري في معظم الدول الست فإنها تحقق فوائض، بما يسمح بنحو 1.9 تريليون دولار أصولا وموجودات خارجية يتوقع أن ترتفع إلى 3 تريليونات دولار في عام 2017،
حسب أرقام صندوق النقد الدولي. وفوق كل ذلك فإن تأثيرات الأزمات التي مرت بالعالم منذ 2009 والمستمرة حتى اليوم بأزمة منطقة اليورو كانت انعكاساتها محدودة على المنطقة التي ظلت إحدى المناطق القليلة في العالم التي تحقق معدلات نمو حقيقي مرتفعة.
إذن ما الذي يدعو حكومة الكويت خلال تقديم برنامجها إلى البرلمان للسنوات الأربع المقبلة إلى التحذير من أن دولة الرفاه الحالية التي تعودها الكويتيون غير قابلة للاستمرار، وأن بقاء الأمور على ما هي عليه من دون إصلاح سيتسبب في تسجيل عجز في الميزانية عام 2021، وقد يتراكم إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2035، وأنه لا بد من إعادة النظر في السلع والخدمات وفي الدعم الحكومي فضلا عن اعتماد نظام ضرائبي؟
الإجابة هي أن أي حكومة رشيدة يجب أن تفعل ذلك؛ فالسياسة ليست مجرد دغدغة عواطف أو إجراءات وشعارات تستهدف الرأي العام في المدى القصير وتهمل الانعكاسات الطويلة الأجل على غرار المثل الذي يقول «أحيني اليوم وأمتني غدا».. فالتخطيط للمستقبل بعد عشرين عاما يبدأ اليوم، وليس هناك ما هو أفضل من البدء في إجراءات الإصلاحات الاقتصادية وقت الرفاه والفوائض المالية بما يجعل أي آثار جانبية لها مؤلمة قابلة للاستيعاب والاحتواء، بدلا من أن تكون تحت الضغط والأزمات في المستقبل. والأمثلة على ذلك كثيرة في العالم، وآخرها اليونان التي ظلت سنوات تغطي حساباتها وتنفق من دون حساب حقيقي للمستقبل، فعصفت بها الأزمة، واضطرت إلى إجراءات تقشف مؤلمة سببت وما زالت اضطرابات اجتماعية، وفتحت الباب لدعوة بعض الدائنين أثينا إلى بيع بعض جزرها تسديدا لليونان. كما أن الإصلاحات تجعل أي اقتصاد في موقف قوي خلال أي هزات أو أزمات عالمية، وهي كما رأينا تأتي من حيث لا أحد يتوقع أو يتصور.
ما فعلته الحكومة الكويتية هو أمر حكيم وتحمل لأمانة المسؤولية، فدور الحكومات ليس الكلام المعسول الذي قد لا يتحقق معظمه، ولكن توعية الجمهور وتثقيفه وتزويده بالحقائق حتى يكون على دراية بأسباب اتخاذ أي قرارات غير شعبية قد تمس بالدعم لبعض السلع أو زيادة رسوم خدمات لزيادة موارد الخزينة العامة. ويخطئ بعض السياسيين أو المسؤولين حين يتصورون أن تسويق الحقائق صعب وسط الرأي العام في بلادهم، فالناس في النهاية يتفهمون كل ما هو منطقي حتى لو كان صعبا.
وقد يقول قائل: عام 2035 بعيد، ومن يدرينا ماذا يحدث خلال عقد من الزمان، فما بالنا بعقدين؟.. والرد على ذلك هو أن الطفل الذي يولد اليوم ستكون سنه 22 عاما في عام 2035 ومعه جيل كامل يتطلع إلى فرص عمل وحياة كريمة، وأن يجد موارد تمكنه من تحقيق أحلامه، لا أن يجد الجيل السابق قد استنفد الموارد، وكأن جيلا أو أجيالا اقترضت من المستقبل على حساب أبنائها.
والحديث عن الكويت هنا مجرد مثال على تصرف رشيد من قبل حكومة تقدم برنامجها لتهيئة الرأي العام لحسابات المستقبل، وهو مثال يحتاج إلى الأخذ بحذوه في الكثير من الاقتصادات العربية، نفطية أو غير نفطية، كل حسب ظروفه، ومعظمها لديها المشاكل الهيكلية نفسها في اقتصاداتها، وعلى رأسها الدعم المقدم للسلع والذي يضع أعباء على الميزانيات ويتسبب في ارتفاع النفقات الجارية بما لا يسمح بموارد كافية للاستثمار توسع حجم الاقتصاد لخلق فرص عمل حقيقية، أو الاعتماد الكبير على الدولة في العملية الاقتصادية رغم كل ما يقال عن التيسيرات للقطاع الخاص والاستثمارات.. فهذه الاختلالات تكبل أي اقتصاد وتجعله لا يستطيع أن يتنفس بالشكل الطبيعي اللازم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق