بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 أكتوبر 2013

الاقتصاد أقوى من الطائفية! -حسين شبكشي

الطائفية والعنصرية سرطان الشعوب وسموم الأمم، متى ما سمح لهما بالتوغل في الجسد الاجتماعي فهما من علامات النهاية والدمار.
 ولعل أشهر البلدان التي يضرب بها المثل فيما يتعلق بتوغل «الطائفية» وتحولها إلى جزء من مكونات شخصية وهوية البلد هو لبنان. فكل شيء في لبنان يوجه ويتحرك بحصة طائفية لفريق أو لآخر بشكل أصبح أقل ما يمكن وصفه ربما بالهزلي.

 ومع كل ذلك، عاش لبنان حقبة ذهبية في تاريخه المعاصر والقريب كان يسير بشكل «لا طائفي»، وأعني تحديدا فترة وجود الرئ يس الراحل رفيق الحريري على رأس الحكومة اللبنانية، فلقد كان لدى الرجل «عمى ألوان طائفي»، كان بالفعل لا يرى طوائف في لبنان، فقط مواطنين، وكل مؤسساته كانت تشهد بذلك، سواء الابتعاث التعليمي للخارج الذي حظي به كل لبناني، بغض النظر عن انتمائه المناطقي أو الطائفي (وهي مسألة لا يمكن لأي سياسي في لبنان أن يقول إنه يقوم بعمل مثل ذلك). وكذلك الأمر فيما يتعلق بمؤسسة «تلفزيون المستقبل» المليئة بالكفاءات المهنية من كل الطوائف اللبنانية، فكان حقا هو واجهة لبنان المستقبل لأنه يتحدث بلغة جامعة بدلا من الطائفية واللغة الفوقية التي يتبناها آخرون.
 الحريري ركز على نقطتين هما زراعة الأمل والاهتمام بالاقتصاد على حساب السياسة، وانخفض بشكل حاد التوتر الطائفي في وقته لانشغال الناس بإعمار البلد والسياحة والاستثمار والتعليم، فانعكس كل ذلك على الحالة الإيجابية للبنان واللبنانيين، وبدأ لبنان يستعيد عافيته ويستشعر بعودة ثقته إلى نفسه بالتدريج وانخفض بشكل كبير معدل القلق والتوتر واليأس في نفسية اللبناني.
 إنها قوة الاقتصاد المربوط بالأمل والقيادة، هذه الخلطة تصنع المعجزات، واليوم ها هي سريلانكا، الجزيرة الصغيرة التي خنقتها حرب أهلية طاحنة دموية بين الغالبية البوذية والأقلية الهندوسية التي تقع في شمال الجزيرة، والتي ترغب في الانفصال وإعلان دولة انفصالية ومستقلة في إقليم «جفنا»، حيث تقطن فئة «التاميل» العرقية التي تعتنق الهندوسية، ويقود هذا الحراك مجموعة من الميليشيات المسلحة المعروفة باسم «نمور التاميل»، وتلقى دعما قويا من الهند، وخصوصا الساسة المتطرفين الهندوسيين فيها.
 ولكن الحكومة السريلانكية توجهت بقوة شديدة للإقليم الشمالي بلا سلاح، وإنما بالدولار واليورو وفتحت الكثير من الخدمات والمشاريع، مما أدى إلى توظيف المئات من الشباب، وبالتالي انشغلوا بما هو مفيد ومعطٍ ومنتج وانشغلوا عن العنف والسلاح والقتال، وبالتدريج بدأت الحكومة تكسب حيزا تلو الآخر داخل هذا الإقليم المتمرد الذي كان بؤرة عنف عظيمة لسنوات طويلة لتكتشف أنها بقليل من الانفتاح الاقتصادي المزروع بالأمل استطاعت في فترة وجيزة أن تحقق المكاسب والإنجازات ما لم تستطع تحقيقه في عقود من الزمن.
 إنها قوة الاقتصاد.. المثال السريلانكي يضرب به المثل هذه الأيام في الإعلام الغربي، ولو كان كتب لرفيق الحريري الاستمرار لفترة أطول في لبنان لتمكن من إنشاء جيل من اللبنانيين بعيدا عن الأصولية والتطرف والكذب باسم المقاومة والوطنية والشوفينية الخداعة التي لم تجلب شيئا للبنان سوى الفتنة والشك والقلق والموت والعنف والدمار، ولكنه بوجوده وبقائه كان يفضحهم، وبالتالي كان لا بد من الخلاص منها بأي طريقة، فهو يروج بضاعة ستجعل كل بضاعتهم محروقة وبلا سوق لأنهم لا ينجحون في ترويج سلعهم إلا بالقلق والفتنة والشك والخوف، بينما هو كان مهتما بزراعة الأمل.
 غاب الطيب وبقي الزعران، كما وصف أحد اللبنانيين المشهد في بلاده، ولكن يبقى القول محقا في علاج الطائفية والعنصرية: إن الاقتصاد السوي هو دواؤهما.

 الشرق الاوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق