بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 أكتوبر 2013

عن الجلادين والقانون -سمير عطا الله

في إسبانيا تلاحق الدولة كل من لا يزال حيا من مجرمي مرحلة فرانكو لتقديمه إلى المحاكمة. وفي رومانيا أحيل إلى القضاء السجان السادي أيام تشاوشسكو، وهو الآن في السابعة والثمانين. وفي الأرجنتين والتشيلي يُلاحق المجرمون الذين قتلوا أبناء شعبهم ونكلوا بهم وأورثوا أهلهم وأبناءهم العذاب.
 الجريمة لا تموت، والقانون لا ينسى. ولا خلاص للعالم العربي إلا بإقامة دولة القانون، لا دولة السجون. لست في حاجة لأن أذكر جنابكم بموقفي ومشاعري من المرحلة المرضية التي عاشها العالم تحت اسم معمر القذافي. ويجب ألا تذهب جرائمها دون عقاب. لكن أي عقاب سيظل دون قيمة أو معنى، إذا لم يكن القانون هو القاعدة والمرجع. والمؤسف أن المظاهر الآتية من ليبيا لا توحي بذلك. هناك مجموعة أفرقاء تتلحف بالقانون لكي تأخذ بيدها عملية الثأر من أبناء القذافي ورجاله. وهذه المجموعات تمنع، بكل فظاظة، الهيئات القانونية الدولية من مقابلة المتهمين والاطلاع على أوضاعهم.
 وهذا ليس تصرفا أخلاقيا بل هو سلوك اعتباطي متعجرف ولا يليق بالشعب الذي عانى طويلا من السلوك المرضي الخالي من أي رادع أخلاقي أو إنساني أو قانوني. رغم الفلتان السائد منذ سقوط ذلك النظام، يجب أن يكون هناك مكان للقانون. وإلا كيف سيثق الليبيون ومن خلفهم العالم، بأن العدل هو الذي يحكم مسار القضاء.
 إذا كان قتل القذافي بالطريقة التي قتل بها، وقطع أصابع سيف الإسلام، وعدد من الحالات الأخرى، يفسر بفوران الدماء المهانة تلك الأيام، فلا تفسير ولا تبرير بعد عامين لتأخر المحاكمات وحجب كل شكل من بديهيات القانون المعمول به في العالم. وقد يسأل سائل عن أي قانون نتحدث عندما يكون المتهم من نوع وطينة عبد الله السنوسي. والجواب أن هذه هي أهمية القانون، إعطاء الفرصة حتى للجزار المزعوم في الدفاع عن نفسه وتحويل الظن إلى إدانة لا غبار عليها.

 أتخيل ردة فعل آباء السجناء الذين أبادهم وأهل الطلاب الذين علق مشانقهم في حرم الجامعة وعشرات الآلاف الذين طاردهم في حرياتهم وأرزاقهم. لكن كل ذلك يشكل قضية تحال إلى العدالة، لكي يثبت الليبيون أن تلك كانت مرحلة مريضة عبرت مهما طالت. يجب ألا يفلت الجلادون العرب من العقاب المستحق، آمرين أو مأمورين. وأن يساقوا مثل جلاد بوخارست وشذاذي فرانكو. لكن من أجل القانون وليس على حسابه.
"الشرق الاوسط"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق