بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

الدعم يعلم الناس الهدر -أحمد الجارالله

 متى تستقر الحكومة على موقف واحد في ما يتعلق بدعم السلع والخدمات? عشرات المرات اطلق وزراء المالية في السنوات الاخيرة تصريحات عن رفع الدعم, وفي كل مرة كان يتراجع الواحد منهم قبل ان يجف حبر تصريحه.
هذه الحادثة تكررت مع وزير المالية الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح الذي أعلن في تصريح ان هناك احتمالات لاعادة النظر في سياسات الدعم, لكنه سرعان ما نفى كلامه هذا الذي هو في الاصل تلميح
خجول الى ما يترتب على الدعم من هدر للمال العام, فما السبب في ذلك, هل هو الخوف من نواب يسعون الى مكاسب انتخابية على حساب هذا المال أم ماذا?
ما يغيب عن بال وزراء ماليتنا, ومعهم الوزير الحالي, ان دول العالم كافة, بما فيها دول الخليج والتي بعضها اقل سكانا من الكويت, رفعت الدعم عن السلع والخدمات, وبدأت تتخلى عن نهج الدولة الريعية الذي يدفع بالناس الى الاتكال على الدولة في كل شيء, فيما الكويت لا تزال على نهجها القديم ما دفع ببعض النواب في المجالس السابقة للمطالبة باضافة البنزين الى البطاقة التموينية كي تصبح الدولة منفقة حتى على تنقلات المواطنين.
ربما كان الدعم قبل عقود مبررا بقلة عدد السكان وبعدم قدرة شريحة كبيرة من المواطنين بسبب تدني رواتبها على دفع فواتير خدمات الماء والكهرباء وثمن بعض السلع الضرورية, لكن اليوم اختلف الوضع كثيرا, فعدد السكان ازداد, والاستهلاك ارتفع ولا سيما في الكهرباء والماء, بالاضافة الى ان الكثير من السلع المدعومة لا يستهلكها المواطنون, بل يبيعونها في السوق السوداء او تهرب الى الخارج.
عندما تتكبد الدولة ملياري دينار خسارة سنوية في دعمها للكهرباء, وهي خسارة قابلة للزيادة مع التزايد المستمر في عدد السكان, كما تخسر سنويا مليار دينار في دعم الكثير من السلع الاستهلاكية, فهي تقول للمواطنين والمقيمين استمروا في الهدر الى ما شاء الله, وبالتالي لن تنفعها حملات الترشيد التي تنفق عليها الملايين, فالمال السائب يعلم الناس الحرام, وما ينفق في دعم الخدمات والسلع هو مال مأخوذ من حصة الاجيال القادمة, والحكومات المتعاقبة جعلته مالا سائبا يعلم الناس الهدر الذي هو حرام.
في كل مرة يطرق فيها وزير مالية في الكويت موضوع رفع الدعم ويتراجع عن تصريحاته يعبر بذلك عن عدم امتلاك الحكومة رؤية واضحة في ادارة الثروة الوطنية ما يثير القلق حيال مستقبل هذا البلد الذي حكومته كعين عذاري تسقي البعيد فيما شعبها يعاني الظمأ, فهي تهدر المليارات على دعم غير مجد, وتوزع الهبات على الدول يمينا ويسارا, بينما هناك اكثر من ستين الف مواطن يرزحون تحت وطأة الملاحقات القضائية جراء تعثرهم في سداد قروض استخدمت لفترة طويلة مادة لابتزازهم انتخابيا وبشكل مثير للقرف.
نعم, رفع الدعم عن الخدمات والسلع بات ضرورة, لكن لا يمكن تحقيقه الا من خلال سلة متكاملة, تبدأ بزيادة الرواتب وتمر بإنصاف المظلومين من اصحاب القروض عبر رفع هذا السيف المصلت عليهم, وتصل الى وضع آلية واضحة للاقراض تمنع البنوك والشركات من استغلال حاجة الناس للمال لتمارس عليهم بعدها تدليسا يؤدي بهم الى السجون وهو ما جعل وزارة الداخلية محصلا لدى البنوك والشركات.
لقد عدلت دول العالم قوانينها ولم تعد الأحكام تنتهي بحبس المدين, وكما قلنا غير مرة هناك أساليب عدة لاسترداد الديون غير الحبس.
إن دولة تنفق 85 في المئة من موازنتها على المصروفات والدعم ماذا تنتظر كي توقف الهدر, وماذا ستفعل في المستقبل عندما يصل هذا الهدر الى ما يفوق الدخل الوطني من النفط?
"السياسة"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق