بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 31 أكتوبر 2013

التآمر على العالم الإسلامي عبد العزيز التويجري

 التأمل في ما تموج به المنطقة من حروب وصراعات سياسية وطائفية، يعيد الى الأذهان ما صرح به في أيار (مايو) 2005، عراب اليمين المحافظ في أميركا، الصهيوني بيرنارد لويس، الذي يحمل في قلبه وعقله حقداً كبيراً على العرب والمسلمين لم تستطع عباراته المخادعة وادعاءاته الأكاديمية إخفاءه، من تنظيرات لإغراق المنطقة في الحروب والصراعات، ومن ثم
تقسيمها إلى وحدات عشائرية وطائفية، والتخلص مما سمّاه المعتقدات الإسلامية الفاسدة، واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها لتحقيق ذلك. فالعرب والمسلمون في نظره، هم قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون لا يمكن تحضيرهم.
كما يعيد هذا التأمل إلى الأذهان ما كتبه بيرنارد لويس أيضاً في صحيفة وول ستريت الأميركية عام 2007 حول مؤتمر أنابوليس حيث قال: «يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، كما فعلت أميركا مع الهنود الحمر من قبل». ثم وضعه لخرائط تقسيم دول المنطقة التي اقترح تبنيها من جانب الولايات المتحدة الأميركية، لإنجاز تصوراته حتى لا يدمر هؤلاء المتخلفون الحضارة الغربية كما زعم.
ويؤكد هذا التخطيط التآمري على العرب والمسلمين ما كتبه روبرت رايت في صحيفة نيويورك تايمز يوم 29 أيلول (سبتمبر) الماضي، تحت عنوان: «كيف يمكن خمس دول أن تصبح أربع عشرة دولة؟»، في سياق إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث يصف رايت ما يجري في المنطقة بأنه صراع طائفي وعرقي له جذوره التاريخية، يمهد لتصحيح أخطاء الماضي، أي أخطاء المؤامرة الفرنسية- البريطانية (سايكس-بيكو)، على ما ادعى سابقاً برنارد لويس، وروّج له في كتاباته وتصريحاته المختلفة التي أسست لعقيدة «المحافظين الجدد» والتي أصبحت ضمن الاستراتيجيات الرئيسة لصناع القرار الأميركي، على اختلاف الإدارات الأميركية المتعاقبة.
يقول روبرت رايت في المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز والخريطة المرفقة به: «إن الصراعات الحالية، أو التي من المؤكد أنها ستحدث في المستقبل، ستفضي إلى تقسيم خمسة بلدان عربية لتصبح أربعة عشر كياناً طائفياً وعرقياً». وحدد تلك البلدان الخمسة والتقسيمات المتصورة لها بشكل واضح وبمنتهى الصراحة.
وفي الاتجاه نفسه يذهب عدد آخر من المنظّرين والكتاب الغربيين، وأغلبهم من الصهاينة أمثال دانييل بايبس ووليام كريستول وروبرت كاغان وجوزيف فايث وبول وولفويتز، الذين يدعون إلى التدخل الأميركي المباشر في شؤون المنطقة وتقسيمها. والعجيب أن السياقات التي يخطط في إطارها هؤلاء الكتاب الغربيون للمنطقة، تدور كلها حول تأمين الحماية والتفوق لإسرائيل وضمان بقائها دولة عنصرية وجزءاً من العالم الغربي، وعدم الاكتراث بما يحدث لملايين العرب والمسلمين من جراء ذلك من قتل وإبادة وتدمير وتخلف وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إنها الروح العنصرية الحاقدة المدمرة لدى هذا الرهط من الكتاب والأكاديميين والمخططين الاستراتيجيين والسياسيين الغربيين على العرب والمسلمين، والخوف المستمر الذي يستولي عليهم من أن يحقق العرب والمسلمون لأنفسهم تقدماً علمياً واقتصادياً وحضارياً يجعلهم خارج إطار الهيمنة والاستغلال الغربيين، يحمون أوطانهم ويدافعون عن سيادتها واستقلالها.
ولذلك، فإن من الواجب، شرعاً ومصلحةً، والحال كما نرى، المبادرة إلى وضع استراتيجية عاجلة تحافظ على ما بقي من استقرار في الدول التي لم تتأثر فعلياً بالصراعات المسلحة التي تشتعل هنا وهناك، وتعزيز العدل والحكم الرشيد ومحاربة الفساد والمفسدين مهما كانوا، والتضامن الفعال في وجه هذه المؤامرات التقسيمية التخريبية، ومساعدة الدول التي ما زالت تقاوم الانهيار وتتعرض للضغوط، ودعم القوى الوطنية التي تواجه الأنظمة الطائفية الاستبدادية المشاركة في المخططات التقسيمية التخريبية، حتى تحقق تلك القوى لبلدانها الحرية والسيادة والخروج من هيمنة الطائفيين، وإن لم يرق ذلك للقوى الكبرى.
إن التآمر على العالم الإسلامي حقيقة واقعة، لها أكثر من صورة، وهي اليوم عملية مترابطة يديرها أكثر من مخرج. فلسنا نقول هذا من باب التأثر بنظرية المؤامرة، لأن هذه النظرية أصبحت تأخذ سبيلها إلى التنفيذ العملي والتطبيق الواقعي، وليست مجرد تصورات وتوهمات وتوقعات.
ومن المؤسف أن ينشغل كثير من العرب، في هذه المرحلة الحرجة الدقيقة، بالخلافات المشتتة للجهود، وبسياسات التخوين والاستئصال المضيعة للوحدة الوطنية، ويغفلون عما يحاك لهم من مكائد ويخطط ضدهم من مؤامرات، وتسقط دولهم واحدة بعد الأخرى في حمأة الفوضى المدمرة والاحتراب القاتل، ويتحالف بعضهم مع قوى إقليمية لها أطماع طائفية عنصرية وتوسعية مغرضة، ويصبح الولاء للطائفة وقادتها، وإن كانوا أجانب، مقدماً على الولاء للأوطان، بل ربما تمت التضحية بمصالح الوطن وأمنه لإرضاء قادة الطوائف وإشباع رغباتهم وأطماعهم. إن الأمر جد خطير لا يجوز التهاون فيه أو اعتباره أضغاث أحلام. فمعظم النار من مستصغر الشرر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق