بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

فرصة تونس الأخيرة محمد كريشان


اليوم تنطلق رسميا جلسات الحوار الوطني في تونس بين الإئتلاف الحاكم والمعارضة من أجل الخروج من المأزق السياسي الذي غرقت فيه البلاد طوال الأشهر الماضية. يتم ذلك في تاريخ بالغ الدلالة هو الذكرى الثانية لإجراء أول انتخابات تعددية حرة بعد الإطاحة بالرئيس بن علي. 
هذا الحوار الذي لم ينطلق إلا بعد مكابدة واضحة يمثل في الحقيقة الفرصة الأثمن، وقد تكون الأخيرة، لإعادة الأمل إلى التونسيين في مستقبل أفضل. لم يعد عصيّا على أي كان في تونس أن يلاحظ طوال الأشهر الماضية، وخاصة منذ اغتيال المعارض
اليساري شكري بلعيد في فبراير- شباط الماضي والنائب المعارض في المجلس التأسيسي محمد براهمي في يوليو- تموز وتصاعد موجات الإرهاب والتعصب الديني، أن جوا ثقيلا قلقا بات جاثما على الجميع وأن التونسيين أضحوا في غالبهم قلقين على أمنهم وعلى نموذج المجتمع المنفتح الذي ارتضوه لعقود رغم كل الاستبداد السياسي.
مطلوب من هذا الحوار، ومنذ أيامه الأولى، إحداث ‘صدمة’ إيجابية تعيد للناس ليس فقط الروح المفعمة بالتفاؤل والحبور التي كانت سائدة قبل عامين بل وأيضا أن تعيد لهم بعض الثقة في هذه الطبقة السياسية الجديدة في البلاد. هذه الطبقة التي أخفقت بسرعة قياسية في رعاية الآمال العريضة الجارفة مقابل ‘نجاحها’ في تغذية الخيبة من التغيير الذي عرفته البلاد ومن الرموز السياسية التي أتى بها ، ولا سيما من حركة ‘النهضة’ الإسلامية الحزب الأهم في الإئتلاف الحاكم.
قد تكون ‘جبهة الإنقاذ’ المعارضة قاسية حين قالت مع انطلاق هذا الحوار الوطني إن تونس ‘ لم تجن من فترة حكم هذا الائتلاف سوى الإرهاب والاغتيالات والقمع والأوبئة والأوساخ والعطش والجوع وغلاء المعيشة والبطالة والفساد والمحسوبية’ ولكن مع ذلك لا يمكن اتهام هذا البيان بأنه بعيد عن التعبير عن المزاج الشعبي الكئيب السائد منذ أشهر. المهم الآن هو كيف نخرج من هذا الوضع الذي وإن كانت تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى حركة ‘النهضة’ إلا أنه لا يعفي غيرها، سواء من المعارضة التي استمرأت التنكيد في كل شيء، أو من مراكز قوى سياسية ومالية وإعلامية لم تجتهد في شيء طوال العامين الماضيين اجتهادها في بث روح الإحباط من إمكانية التغيير الديمقراطي في البلاد، بما يوصل في النهاية إما إلى الترحم على سنوات القمع أو تمني قدوم ‘سيسي تونسي’ على غرار ما حدث في مصر.
أخطر ما يواجه الحوار الوطني الآن هو الدخول به في منزلقات التسويف ودهاليز المماطلة والتعطيل لأن مسارا كهذا سيرسخ لدى قطاعات لا بأس بها من التونسيين، عن حق أو عن باطل، أن حركة ‘النهضة’ أمسكت بتلابيب السلطة ولا تنوي تركها أبدا، وإن نوت غيرذلك فهي تريد مقابله ‘خروجا آمنا’ بضمانات عدم ملاحقة عدد من رموزها في ملفات عديدة أمنية وسياسية ومالية فاحت رائحتها منذ أشهر. في المقابل، فإن التقدم بالحوار الذي ترعاه قوى نقابية واجتماعية ذات وزن يمثل مخرجا مشرفا للجميع لأن ‘الشرعية التوافقية’ التي قد تتمخض عنه الوصول بالبلاد إلى صورة واضحة بمؤسسات دائمة من شأنها أن تقوي جبهة التصدي للإرهاب الذي لا ينتعش إلا في مناخات الشك والتناحر.
و فقط عند وصول الفرقاء جميعا إلى تفاهمات ملزمة للجميع، يمكن مطالبة كل المواطنين بالخروج من دائرة الأنانية الضيقة والمطالب التي لا تنتهي، ولم تعد البلاد تتحملها، لأن مصاعب تونس الحالية لا تعود فقط إلى مسؤولية حكامها ومعارضيها بل أيضا إلى هذا المواطن الذي أدمن الاحتجاجات دون أن يلتفت ولو مرة واحدة للمطلوب منه هو الآخر لإخراج البلاد من مأزقها الحالي..وهذه قصة أخرى.
" القدس العربي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق