بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

"الباب العالي" الأميركي وسياسة رعاة البقر- أحمد الجارالله

لا يا مستر أوباما... المملكة العربية السعودية ليست جمهورية موز, ولا هي حديقة خلفية لواشنطن.
لا, ليس مع السعودية تمارس سياسة الخفة, فالمملكة لها ثقلها الدولي ودورها المميز, وقيادتها تدرك جيدا هذا الحجم والدور وتعمل في إطارهما, وهو ما أغفلته إدارتك أخيراً بالتعاطي مع قضايا المنطقة بانتهازية لن تعود على بلادك إلا بالمزيد من الخسائر وخصوصاً في هذه المرحلة التي وصل فيها الدين العام إلى رقم فلكي لم يسبق ان وصلت إليه دولة.

لا يا مستر أوباما, الرياض لم تخضع يوماً للإملاءات, ولا كانت سياستها رد فعل, فهي مرجعية خليجية وعربية وإسلامية, فلا تُعقد  صفقات على حسابها أو تملى عليها أوامر التحرك, ومن يتوهم ذلك هو مشتبه قصير نظر لم ير حقيقة حجم المملكة.
على البيت الأبيض العودة إلى التجارب السابقة في هذا الشأن, فطوال العقود السبعة الماضية من التحالف السعودي - الأميركي كانت مواقف المملكة واضحة ومحافظة على استقلال قراراتها, ولم تتحكم بإدارتها مصالح حزبية أو قوى ضغط اقتصادية, كما هي حال الإدارات الأميركية. وما على أوباما وفريقه سوى قراءة المواقف السعودية الأخيرة جيداً فكلها تتحدث بمفردات واحدة لا التباس فيها, وكلها مستوحاة من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
في السنوات الماضية تعددت الاشارات التحذيرية السعودية لواشنطن من مغبة سياستها في المنطقة, لكن يبدو أن البيت الأبيض غارق في غيبوبة جراء أمراض الشيخوخة التي بدأت تفتك بالرجل الاميركي المريض, تماما كما كانت حال السلطنة العثمانية التي تسببت سياسة الباب العالي في ربع القرن الاخير من عمرها باطلاق رصاصة الرحمة عليها مع نهاية الحرب العالمية الاولى.
نعم, سياسة البيت الابيض أدت في ربع القرن الاخير إلى الكثير من الخطايا في المنطقة لأن اداراتها المتعاقبة  تعاملت مع الشرق الاوسط بذهنية رعاة البقر وليس بسلوك حضاري لدولة تعتبر نفسها رائدة العالم, لذا على ادارة الرئيس باراك أوباما التعلم من التجارب الماضية مع المملكة, ولاسيما تجربتي العام 1973 حين قادت السعودية معركة قطع النفط عن الغرب أثناء حرب أكتوبر, او في العام 1996 عندما طردت السفير الاميركي بعدما تخطى حدود الديبلوماسية.
رغم التحالف الستراتيجي بين الرياض وواشنطن, كانت المملكة ولاتزال تتبع سياسة ثابتة تقدم فيها مصالح الامة على المصالح الخاصة, على العكس من ذهنية رعاة البقر المتحكمة بالسلوك السياسي الاميركي والمتمثلة بالعديد من المواقف, أكان في انحيازه الأعمى الى جانب اسرائيل وسكوت البيت الأبيض, بل منعه, مجلس الامن من إدانة ممارساتها في فلسطين وتحويل القدس عاصمة للكيان الاحتلالي, وسعيه اليوم الى رفع خطر السلاح الكيماوي السوري عنها بنزعه, او تقليم أظافر ايران نووياً.
سياسة رعاة البقر التي مارستها واشنطن مع دول عربية عدة, أكان في لبنان او اليمن او العراق, أغرقت تلك الدول في حمامات دم بعدما قدمتها على طبق من فضة الى ايران, مطلقة يدها في ارتكاب المجازر الطائفية, بينما في مصر خلعت كل أقنعة الديمقراطية وحقوق الانسان حين فرضت, بالتهديد والوعيد, حكم عصابة الإفك على المصريين, وتحولت سفيرتها في القاهرة عازفة في جوقة جماعة "الاخوان", ووقفت علنا ضد ارادة 40 مليون مصري خرجوا الى الشوارع  لاسقاط حكم المرشد المسترشد بما يُملى عليه من واشنطن.
اما على الصعيد البحريني, فلسنا بحاجة الى التذكير بدور السفير الاميركي لدى المنامة الذي بات يعمل طبالا عند فرقة ما يسمى المعارضة  التي هي في الاصل طابور خامس تشغله ايران للولوج من البحرين الى بقية دول الخليج العربية, تحقيقا للحلم الفارسي التوسعي الذي لم يتغير رغم زوال نظام الشاه, وليس بعيداً عن ذلك موقفها المتردد في انقاذ الشعب السوري.
أمام كل هذا, حين تتخذ قيادة المملكة هذا الموقف الحازم بوجه الولايات المتحدة, فهي تقول بوضوح ان لا أحد, لا أميركا ولا روسيا أو غيرهما, يمكنه بعد اليوم فرض ارادته على العرب والمسلمين, ولا إخضاعهم لصفقات وشروط ضد مصالحهم وعلى حساب أمنهم. 
وليس الاعتذار عن عدم شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي إلا رفضاً للسلوك الحقيقي الأميركي الذي تسبب بشلل هذه المؤسسة, وأفسح في المجال أمام روسيا لمنح نظام دمشق أطول فترة ممكنة لقتل المدنيين, وحماية الجرائم الإسرائيلية التي تمارس ضد الفلسطينيين, عبر حق النقض الذي أصبح في الواقع أداة لانزال الظلم على الشعوب وسلب حقوقها.
ان موقف المملكة في جوهره هو موقف دول "مجلس التعاون" الخليجي, بل هو موقف العالم العربي ومعه الكثير من دول العالم التي تعاني من ظلم يتسبب به ازدواج المعايير والعجز الاممي, وقيادة المملكة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين أعلنت هذا الموقف التاريخي, قرعت جرس الانذار إزاء ما يواجهه العالم من كيل بمكاييل عدة في المؤسسات الدولية, وهو تحذير قوي للولايات المتحدة المتوهمة أنها قادرة على قيادة العالم وفقا لما تمليه مزاجية راعي البقر.
السياسة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق